إدراك الكائن أ نّه مسؤول لا يمكن أن ينهض بأعباء الأمانة أو يُختار لممارسة دور الخلافة: «إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا»[1].
والمسؤولية علاقة ذات حدَّين:
فهي من ناحيةٍ تعني الارتباط والتقيّد، فالجماعة البشرية التي تتحمّل مسؤوليات الخلافة على الأرض إنّما تمارس هذا الدور بوصفها خليفةً عن اللَّه، ولهذا فهي غير مخوَّلةٍ أن تحكم بهواها أو باجتهادها المنفصل عن توجيه اللَّه سبحانه وتعالى؛ لأنّ هذا يتنافى مع طبيعة الاستخلاف، وإنّما تحكم بالحق وتؤدي الى اللَّه تعالى أمانته بتطبيق أحكامه على عباده وبلاده.
وبهذا تتميّز خلافة الجماعة بمفهومها القرآني والإسلامي عن حكم الجماعة في الأنظمة الديمقراطية الغربية، فإنّ الجماعة في هذه الأنظمة هي صاحبة السيادة، ولا تنوب عن اللَّه في ممارستها، ويترتّب على ذلك أ نّها ليست مسؤولةً بين يدي أحد، وغيرُ ملزمةٍ بمقياسٍ موضوعيٍّ في الحكم، بل يكفي أن تتّفق على شيءٍ ولو كان هذا الشيء مخالفاً لمصلحتها ولكرامتها عموماً، أو مخالفاً لمصلحة جزءٍ من الجماعة وكرامته ما دام هذا الجزء قد تنازل عن مصلحته وكرامته.
وعلى العكس من ذلك حكم الجماعة القائم على أساس الاستخلاف، فإنّه حكم مسؤول، والجماعة فيه ملزمة بتطبيق الحقّ والعدل، ورفض الظلم والطغيان، وليست مخيَّرةً بين هذا وذاك، حتّى إنّ القرآن الكريم يسمّي الجماعة التي تقبل بالظلم وتستسيغ السكوت عن الطغيان بأ نّها «ظالمة لنفسها»، ويعتبرها مسؤولةً عن هذا الظلم ومطالبةً برفضه بأيِّ شكلٍ من الأشكال ولو بالهجرة والانفصال إذا تعذّر التغيير، قال اللَّه سبحانه وتعالى: «إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي
[1] الإسراء: 34