أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ ساءَتْ مَصِيراً»[1].
وتعني المسؤولية من ناحيةٍ اخرى أنّ الإنسان كائن حرّ؛ إذ بدون الاختيار والحرّية لا معنى للمسؤولية، ومن أجل ذلك كان بالإمكان أن يستنتج من جعل اللَّه خليفةً على الأرض أ نّه يجعل الكائن الحرّ المختار، الذي بإمكانه أن يصلح في الأرض وبإمكانه أن يفسد أيضاً، وبإرادته واختياره يحدِّد ما يحقِّقه من هذه الإمكانات: «إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَ إِمَّا كَفُوراً»[2].
وأكبر الظنِّ أنّ هذه الحقيقة هي التي أثارت في نفوس الملائكة المخاوف من مصير هذه الخلافة وإمكانية انحرافها عن الطريق السويّ الى طريق الفساد وسفك الدماء؛ لأنّ صلاح المسيرة البشرية لمّا كان مرتبطاً بإرادة هذا الإنسان الخليفة ولم يكن مضموناً بقانونٍ قاهرٍ- كما هي الحالة في كلّ مجالات الطبيعة- فمن المتوقّع أن تجد إمكانيةُ الإفساد والشرّ مجالًا لها في الممارسة البشرية على أشكالها المختلفة. وكأنّ الملائكة هالَهم أن توجد لأوّل مرّةٍ طاقة محايدة يتعادل فيها الخير والشرّ ولا تُضبط وفقاً للقوانين الطبيعيّة والكونية الصارمة التي تسيّر الكون بالحكمة والتدبير، وفضّلوا على ذلك الكائن الذي يولد ناجزاً مصمَّماً لا فراغ في سلوكه، تتحكّم فيه باستمرار قوانين الكون كما تتحكّم في الظواهر الطبيعية.
ومن هنا قدَّموا أنفسهم كبديلٍ عن الخليفة الجديد، ولكن فاتهم أنّ الكائن الحرّ الذي جعله اللَّه تعالى خليفةً في الأرض لا تعني حرّيته إهمال اللَّه تعالى له،
[1] النساء: 97
[2] الإنسان: 3