المدينة في مشارب النخل … أ نّه لا يمنع فضل ماءٍ وكلأ»[1].
وهذا النهي نهي تحريمٍ مارسه الرسول الأعظم بوصفه وليّ الأمر؛ نظراً إلى أنّ مجتمع المدينة كان بحاجةٍ شديدةٍ إلى إنماء الثروة الزراعية والحيوانية، وإلى توفير الموادّ اللازمة للإنتاج توفيراً عامّاً وعدم احتكارها، فألزمت الدولة على هذا الأساس الأفراد ببذل ما يفضل من مائهم وكلأهم للآخرين.
ثالثاً: ما جاء في عهد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام إلى مالك الأشتر- واليه على مصر- من التأكيد على منع الاحتكار في كلّ الحالات منعاً باتاً؛ إذ تحدّث الإمام إلى واليه عن التجّار ودورهم في الحياة الاقتصادية وأوصاه بهم، ثمّ عقّب ذلك قائلًا: «واعلم- مع ذلك- أنّ في كثيرٍ منهم ضيقاً فاحشاً وشحّاً قبيحاً واحتكاراً للمنافع وتحكّماً في البياعات، وذلك باب مضرّةٍ للعامّة، وعيب على الولاة، فامنع من الاحتكار؛ فإنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم منع منه. وليكن البيع بيعاً سمحاً بموازين عدلٍ وأسعارٍ لا تجحف بالفريقين من البائع والمبتاع»[2].
وهذا المنع الحاسم من الإمام للاحتكار يعني حرص الإسلام على شجب الأرباح التي تقوم على أثمانٍ مصطنعةٍ تخلقها ظروف الاحتكار الرأسمالية، وأنّ الربح النظيف هو الربح الذي يحصل عن طريق القيمة التبادلية الواقعية للبضاعة- وهي القيمة التي يدخل في تكوينها منفعة البضاعة ودرجة قدرتها وفقاً للعوامل الطبيعية والموضوعية- مع استبعاد دور الندرة المصطنعة التي يخلقها التجّار والرأسماليون المحتكرون عن طريق التحكّم في العرض والطلب.
[1] وسائل الشيعة 25: 420، الباب 7 من أبواب إحياء الموات، الحديث 2 مع اختلاف يسير
[2] نهج البلاغة: 438، الكتاب( 53)