«تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ»[1]، فبدلًا عن الأكثر مالًا والأخلد ثروةً وضع الأحسنَ عملًا هو المثل الأعلى والهدف الأول، وَحثّ اللَّه تعالى الجماعة البشرية التي تولّى الأنبياء تربيتها وإعدادها على التنافس في مجال هذا الهدف والتسابق في العمل الصالح: «وَ فِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ»[2].
ولكي يقوم هذا الهدف الجديد على أساسٍ واقعيّ ومتينٍ أعطى الإسلام نظرةً جديدةً إلى الساحة، فربطها بعالمٍ غير منظورٍ حسياً وأكّد على خلود العمل- بدلًا عن المال والثروة- عبر ذلك العالم غير المنظور وامتداده في أعماق نفس الإنسان العامل وتبلوره في النهاية بالطريقة التي تنظّم بها الأعمال في ذلك العالم الحقّ؛ وبهذا خلق في الإنسان الشعور بأنّ خلوده وبقاءه بالعمل الصالح، لا بادّخار المال واكتناز الثروة، وغيَّر من مفهومه عن إنفاق المال في سبيل اللَّه، فبدلًا عن أن ينظر إليه بوصفه تلاشياً لوجود الإنسان ومغامرةً على حساب مستقبله وضمان استمراره- أو على الأقلّ بوصفه عطاءً بدون مقابلٍ- خلق الإسلام نظرةً جديدةً إلى هذا الإنفاق بوصفه ضماناً لامتداد الإنسان وخلوده وعطاءً بمقابل، بل تجارة قادرة على النموِّ وإثراء العامل روحياً ومستقبلياً:
«وَ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ»[3]. «مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها»[4]. «إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ»[5]. «مَثَلُ الَّذِينَ*
[1] الملك: 1- 2
[2] المطفّفين: 26
[3] سبأ: 39
[4] الأنعام: 160
[5] التغابن: 17