جعلهم أئمّة، أي تطهيرهم من داخلٍ والارتفاع بهم إلى مستوى القدوة والنموذج الإنساني الرفيع، ولهذا لن تكون عملية الاستبدال الثوري على يد الأنبياء كما استبدل الإقطاعي بالرأسمالي أو الرأسمالي بالبروليتاريا، أي مجرّد تغييرٍ لمواقع الاستغلال، وإنّما هي تصفية نهائية للاستغلال ولكلّ ألوان الظلم البشري.
وقد حدّد القرآن الكريم في نصٍّ آخر صفة هؤلاء المستضعفين الذين ترشّحهم ثورة الأنبياء لتسلّم مقاليد الخلافة في الأرض، إذ قال اللَّه تعالى:
«الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ وَ أَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَ لِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ»[1].
وثانياً: أنّ صراع الأنبياء مع الظلم والاستغلال لم يتّخذ طابعاً طبقياً كما وقع لكثيرٍ من الثورات الاجتماعية؛ لأنّه كان ثورةً إنسانية ولتحرير الإنسان من داخلٍ قبل كلّ شيء، ولم يكن جانبه الثوري الاجتماعي إلّابناءً علوياً لتلك الثورة، حتّى أنّ الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله و سلم أطلق على ثورة التحرير من داخل اسم:
«الجهاد الأكبر»، وعلى ثورة التحرير من خارج اسم: «الجهاد الأصغر»، كما تقدم.
وقد استطاع الإسلام- بعملية التحرير من الداخل وبتحقيق متطلّبات الجهاد الأكبر- أن ينبِّه في النفوس الخيِّرة كلّ كوامن الخير والعطاء، ويفجّر فيها طاقات الإبداع على اختلاف انتماءاتها الطبقية في المجتمعات الجاهلية، فكان الغنيّ يقف إلى جانب الفقير على خطّ المواجهة للظلم والطغيان، وكان مستغِلّ الأمس يندمج مع المستغَلّ- بالفتح- في إطارٍ ثوريّ واحدٍ بعد أن يحقّق الجهاد الأكبر فيه قيمه العظيمة.
[1] الحجّ: 41