ومن هنا كان الإسلام- الذي كافح من أجله الأنبياء- ثورةً اجتماعيةً على الظلم والطغيان وعلى ألوان الاستغلال والاستعباد.
ومن هنا أيضاً كان الأنبياء- وهم يحملون هذا المشعل- يستقطبون دائماً المعذَّبين في الأرض والجماهير البائسة التي مزّقتها أساطير الآلهة المزيّفة روحياً، وشتّتتها الجاهلية فكرياً، ووقعت فريسةَ أشكالٍ مختلفةٍ من الاستغلال والظلم الاجتماعي.
غير أنّ ثورة الأنبياء تميّزت عن أي ثورةٍ اجتماعيةٍ اخرى في التأريخ تميزاً نوعياً؛ لأنّها حرّرت الإنسان من الداخل وحرّرت الكون من الخارج في وقت واحد، وأطلقت على التحرير الأول اسم: الجهاد الأكبر، وعلى التحرير الثاني اسم: الجهاد الأصغر؛ لأنّ هذا الجهاد لن يحقّق هدفه العظيم إلّافي إطار الجهاد الأكبر.
ونجم عن ذلك:
أولًا: أ نّها لم تضع مستغلًاّ جديداً في موضع مستغلٍّ سابق ولا شكلًا من الطغيان بديلًا عن شكلٍ آخر؛ لأنّها في الوقت الذي حرّرت فيه الإنسان من الاستغلال حرّرته من منابع الاستغلال في نفسه وغيّرت من نظرته إلى الكون والحياة.
قال اللَّه سبحانه وتعالى: «وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ»[1]. لاحظوا كيف يسير العَمَلان الثوريان جنباً إلى جنب، يجعل المستضعفين أئمّةً ويجعلهم الوارثين، وهذا يعني أنّ حلول المستضعفين محلّ المستغلّين والمستثمِرين، وتسلّمهم للمقاليد من أيديهم يواكب
[1] القصص: 5