والثروة والتملّك تنسجم مع تلك النظرة.
وقد استطاعت هذه القيم التي ترسّخت عبر الزمن في وجدان الإنسان الاوروبّي أن تعبِّر عن نفسها في مذاهب اللذّة والمنفعة التي اكتسحت التفكير الفلسفي الأخلاقي في الغرب، فإنّ لهذه المذاهب- بوصفها نتاجاً فكرياً اوروبّياً سجّل نجاحاً كبيراً على الصعيد الفكري الاوروبّي- مغزاها النفسي ودلالتها على المزاج العامّ للنفس الاوروبّية.
وقد لعبت هذه التقويمات الخاصّة للمادّة والثروة والتملّك دوراً كبيراً في تفجير الطاقات المختزنة في كلّ فردٍ من الامّة، ووضع أهدافٍ لعملية البناء والتنمية تتّفق مع تلك التقويمات. وهكذا سَرَت في أوصال الامّة حركة دائبة نشيطة مع مطلع الاقتصاد الاوروبّي الحديث لا تعرف المَلَل أو الارتواء من المادة وخيراتها وتملّك تلك الخيرات.
وبنفس الدرجة التي استطاعت النظرة إلى الأرض لدى الإنسان الاوروبّي أن تفجِّر طاقاته في البناء، أدّت أيضاً إلى ألوان التنافس المحموم على الأرض وخيراتها، ونشأت أشكال من استغلال الإنسان لأخيه الإنسان؛ لأنّ تعلّق هذا الكائن بالأرض وثرواتها جعله يضحِّي بأخيه ويحوّله من شريكٍ إلى أداة.
وأمّا الشرقيون فأخلاقيّتهم تختلف عن أخلاقية الإنسان الاوروبي نتيجةً لتأريخهم الديني، فإنّ الإنسان الشرقي- الذي ربّته رسالات السماء وعاشت في بلاده ومرَّ بتربيةٍ دينيةٍ مديدةٍ على يد الإسلام- ينظر بطبيعته الى السماء قبل أن ينظر إلى الأرض، ويأخذ بعالم الغيب قبل أن يأخذ بالمادة والمحسوس.
وافتتانه العميق بعالم الغيب قبل عالم الشهادة هو الذي عبّر عن نفسه على المستوى الفكري في حياة المسلمين باتّجاه الفكر في العالم الإسلامي إلى المناحي العقلية من المعرفة البشرية دون المناحي التي ترتبط بالواقع المحسوس.
وهذه الغيبية العميقة في مزاج الإنسان الشرقي المسلم حدّدت من قوة