بالمعنى الصحيح، وما لم تتّخذ العقيدة الإسلامية مركزها القيادي كأساسٍ لممارسة هاتين المسؤوليّتين في كلّ جوانب الحياة فلا رسالة إسلامية في واقع الحياة بالمعنى الصحيح.
وهذه العقيدة الإسلامية الباهتة تشكِّل- على الرغم من خفوتها وعدم اتّقادها- عاملًا سلبياً تجاه أيِّ إطارٍ حضاريّ أو نظامٍ اجتماعيّ لا ينبثق فكرياً وإيديولوجياً من الإسلام؛ لأنّها تؤمن- ولو نظرياً- على الأقلّ بأنّ كلّ إطارٍ أو نظامٍ لا يستمدّ قواعده من الإسلام فهو غير مشروع.
وهذا الإيمان حتّى ولو لم يترجم إلى صيغٍ عمليةٍ محدّدةٍ يشكّل موقفاً سلبياً ورفضاً ضمنياً لكلّ عمليات التحريك الحضاري التي تمارسها تلك الأنظمة والمذاهب الاجتماعية. وكثيراً ما ينجح أحد تلك الأنظمة والمذاهب في تسلّم السلطة وقيادة المجتمع، ولكنّه سرعان ما يجد نفسه بعد فترةٍ قليلةٍ مرغماً على ممارسة ألوانٍ من الإكراه، إذ يدرك عجزه عن تجميع قُوى الامّة تحت لوائه ما لم يمارس الإكراه. وكلّما توغّل في هذه الممارسة أكثر فأكثر ازدادت الامّة سلبيةً واقتناعاً بعدم شرعيته، وهكذا يبدّد الجزء الأعظم من طاقات الامّة في عمليات الإكراه والإقناع المتوتّر عصبياً من جانب، وعمليات ردّ الفعل الصامت وما تستوجبه من جهدٍ ومقاومةٍ من جانبٍ آخر.
ويختلف الموقف اختلافاً أساسياً حينما يواجه الناس اطروحة الدولة الإسلامية والنظام الإسلامي تحملها امّة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن باللَّه إيماناً حيّاً مسؤولًا؛ إذ سرعان ما تتحوّل تلك العقيدة الباهتة من عاملٍ سلبيّ إلى عاملٍ إيجابيّ في عملية البناء الحضاري الجديد؛ لأنّ الناس يجدون حينئذٍ في اطروحة الإسلام تجسيداً عملياً لعقيدتهم. ولَئِن كان الكثير من هؤلاء ليسوا على استعدادٍ للتضحية وتحمّل الأذى في سبيل هذا التجسيد، فإنّهم عند تحقّقه يجدون فيه أملهم الكبير وعقيدتهم المقدّسة وطموحهم الديني، وسرعان ما يلتحمون معه