مواطنٍ اعتياديّ شكاه إلى القاضي فأحضرهما القضاء لكي يقضي بينهما[1].
وفي مرّةٍ سابقةٍ على ذلك رفع يهوديّ مواطن في الدولة الإسلامية شكوى على الإمام عليه السلام إلى الخليفة في عهد عمر، فأحضر عمر اليهودي وابن عمّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله معاً في مجلس القضاء، وحينما استمع إلى كلام كلّ منهما لاحظ على الإمام شيئاً من التأثّر، وخُيِّل له أنّ الإمام ساءه أن يحضر في مجلس القضاء مع مواطنٍ يهودي، فقال الإمام عليه السلام لعمر: «إنّي استأتُ لأنّك لم تساوِ بينه وبيني، إذ كنّيتني ولم تُكنِّه»[2].
هكذا جسّدت الدولة الإسلامية المثل الأعلى للمساواة بين الحاكمين والمحكومين في القضاء والعدل، كما جسّدت في حياة الحاكم الخاصّة القدوة الحقيقية والسلوة الروحية لكلّ المستضعفين في الأرض؛ لأنّ الحاكم كان يعيش كأيّ مواطنٍ اعتياديّ لا يتمّيز عليهم بقصورٍ عالية، ولا بسياراتٍ فارهة، ولا ببذخٍ في الموائد والأثاث، ولا بألوان التفنّن في اقتناء التحف والمجوهرات.
قال الامام عليّ عليه السلام: «أأقنع من نفسي بأن يقال: هذا أمير المؤمنين، ولا اشاركهم في مكاره الدهر أو أكون اسوةً لهم في جشوبة العيش»[3].
هكذا يعلِّم الإسلام الحاكم بأنّ الحكم ليس وسيلةً للاستمتاع بملاذّ الدنيا، ولا أداةً للتميّز عن الآخرين في مظاهر الحياة وزينتها، وإنّما هو مسؤولية وخلافة ومشاركة للمستضعفين في همومهم.
وإذا تجاوزنا تأريخ التجربة إلى واقعها المعاصر وجدنا أنّ ذلك العلوي
[1] الغارات لابن هلال الثقفي: 74
[2] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 17: 65
[3] نهج البلاغة: 418، الكتاب 45 إلى عثمان بن حنيف الأنصاري