أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت؟»[1].
فلكلّ إنسانٍ يؤمن بالنظرة الإسلامية إلى الدنيا ويجسِّدها في سلوكه أن يأخذ من الدنيا ويستمتع بالحلال من طيّباتها بقدر حاجته؛ لأنّ الدنيا وضعت في الأساس لسدّ الحاجة لا للاكتناز والتكاثر، وما دامت لا تشكِّل للانسان هدفه وإنّما تجدِّد قدرته باستمرارٍ على مواصلة الكدح في طريقه إلى ربّه وتحقيق هدفه، فمن الطبيعي أن يأخذ الإنسان منها حاجته ويوظّف الباقي للهدف الكبير؛ لأ نّه إذا احتكر لنفسه أكثر من حاجته تحوّلت الدنيا بالنسبة إليه إلى هدف وخسر بذلك دوره الصالح على الأرض، وجنى على الخطّ الطويل ثمار ذلك فيما سيؤدي إليه الانحراف عن أهداف المسيرة الرشيدة من ألوان الاستغلال والظلم والانحراف، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه و آله: «من أخذ من الدنيا فوق ما يكفيه فقد أخذ حتفه وهو لا يشعر»[2].
وبهذا البناء الصالح للمواطن في الدولة الإسلامية يستطيع الإنسان أن يتحرّر من مغريات الأرض ويرتفع عن الهموم الصغيرة التي تفصله عن اللَّه ويعيش من أجل الهموم الكبيرة.
وبذلك يواجه أعظم مسؤوليات البناء بصدرٍ رحبٍ وقلبٍ مطمئنّ ونفسٍ قويةٍ ومعادلةٍ حسابيةٍ رابحةٍ لا موضع فيها للخسارة بحالٍ من الأحوال: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ* تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ تُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ»[3].
[1] المستدرك على الصحيحين 4: 322، كتاب الرقاق، مع اختلاف يسير
[2] كنز العمّال 3: 193، الحديث 6117 باختلافٍ يسير
[3] الصَفّ: 10- 11