دورها الخلافي الصالح، وذلك باعتماد الأساس الثاني.
ومن هنا دعا الأنبياء- كما ذكرنا في حلقةٍ سابقةٍ- الى جهادين:
أحدهما الجهاد الأكبر من أجل أن يكون المستضعَفون أئمّةً وينتصروا على شهواتهم ويبنوا أنفسهم بناءً ثورياً صالحاً.
والآخر الجهاد الأصغر من أجل إزالة المستغِلِّين والظالمين عن مواقعهم.
وتسير العمليتان في ثورة الأنبياء جنباً الى جنب، فالنبيّ ينتقل بأصحابه دائماً من الجهاد الأكبر الى الأصغر ومن الجهاد الأصغر الى الأكبر، بل إنّهم يمارسون الجهادين في وقتٍ واحد، وحتّى عندما يخوضون ساحات القتال وفي أحرج لحظات الحرب. انظروا الى الثائر النموذجي في الإسلام الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام كيف أقدم بكلّ شجاعةٍ وبطولةٍ على مبارزة رجل الحرب الأول في العرب عمرو بن عبد ودّ، واعتبر الناس ذلك منه انتحاراً شبه محقّق؟ ثمّ كيف أمسك عن قتله بضع لحظاتٍ بعد أن تغلّب عليه؛ لأنّ عَمرواً أغضبه فلم يشأ أن يقتله وفي نفسه مشاعر غضبٍ شخصيّ وحرص على أن يُنجِز هذا الواجب الجهادي في لحظةٍ لا غضب لديه فيها إلّا للَّهتعالى ولكرامة الإنسان على الأرض[1]؟! وبهذا حقّق انتصاراً عظيماً في مقاييس كلا الجهادين في موقفٍ واحدٍ فريد.
وعلى هذا الأساس نؤمن بأنّ الثورة الحقيقية لا يمكن أن تنفصل بحالٍ عن الوحي والنبوّة وما لهما من امتدادات في حياة الإنسان، كما أنّ النبوّة والرسالة الربّانية لا تنفصل بحالٍ عن الثورة الاجتماعية على الاستغلال والترف والطغيان:
[1] المناقب لابن شهر آشوب 2: 115، فصل في حلمه وشفقته عليه السلام