على كلّ العوائق المصطَنَعة والقيود التي تجمّد الطاقات البشرية وتهدر إمكانات الإنسان، وبهذا تصبح فرص النموّ متوفّرةً توفّراً حقيقياً. والنموّ الحقيقي في مفهوم الإسلام أن يحقِّق الإنسان- الخليفة على الأرض- في ذاته تلك القيم التي يؤمن بتوحّدها جميعاً في اللَّه عزّ وجلّ الذياستخلفه واسترعاه أمر الكون. فصفات اللَّه تعالى وأخلاقه- من: العدل والعلم والقدرة والرحمة بالمستضعفين والانتقام من الجبّارين والجود الذي لا حدّ له- هي مؤشّرات للسلوك في مجتمع الخلافة وأهداف للإنسان الخليفة، فقد جاء في الحديث:
«تشبّهوا بأخلاق اللَّه»[1].
ولمّا كانت هذه القيم على المستوى الإلهي مطلقةً ولا حدَّ لها، وكان الإنسان الخليفة كائناً محدوداً فمن الطبيعي أن تتجسّد عملية تحقيق تلك القيم إنسانياً في حركةٍ مستمرّةٍ نحو المطلق وسيرٍ حثيثٍ الى اللَّه.
وكلّما استطاع الإنسان من خلال حركته أن يتصاعد في تحقيق تلك المثل ويجسّد في حياته بصورةٍ أكبر فأكبر عدالة اللَّه وعلمه وقدرته ورحمته وجوده ورفضه للظلم والجبروت، سجَّل بذلك انتصاراً في مقاييس الخلافة الربّانية واقترب نحو اللَّه في مسيرته الطويلة التي لا تنتهي إلّابانتهاء شوط الخلافة على الأرض: «يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ»[2].
ولم يكن من الصدفة أن يوضع العدل أصلًا ثانياً من اصول الدين ويميَّز عن سائر صفات اللَّه تعالى بذلك، وإنّما كان تأكيداً على أهمّ صفات اللَّه تعالى في مدلوله العملي ودوره في توجيه المسيرة الإنسانية،- كما أشرنا في حلقةٍ سابقة[3]– وذلك لأنّ العدل في المسيرة وقيامها على أساس القسط هو الشرط
[1] بحار الأنوار 61: 129، وفيه:« تخلّقوا بأخلاق اللَّه»
[2] الانشقاق: 6
[3] راجع الصفحة 34