وَ أَشْفَقْنَ مِنْها وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا»[1].
واستخلاف اللَّه تعالى خليفةً في الأرض لا يعني استخلافه على الأرض فحسب، بل يشمل هذا الاستخلاف كلّ ما للمستخلِف سبحانه وتعالى من أشياء تعود إليه. واللَّه هو ربّ الأرض وخيرات الأرض، وربّ الإنسان والحيوان وكلّ دابّةٍ تنتشر في أرجاء الكون الفسيح، وهذا يعني أنّ خليفة اللَّه في الأرض مستخلَف على كلّ هذه الأشياء. ومن هنا كانت الخلافة في القرآن أساساً للحكم، وكان الحكم بين الناس متفرّعاً على جعل الخلافة، كما يلاحظ في المقطع الرابع من المقاطع القرآنية المتقدّمة[2] المرتبطة بالخلافة.
ولمّا كانت الجماعة البشرية هي التي منحت- ممثَّلةً في آدم- هذه الخلافة، فهي إذن المكلَّفة برعاية الكون وتدبير أمر الإنسان، والسير بالبشرية في الطريق المرسوم للخلافة الربانية.
وهذا يعطي مفهوم الإسلام الأساسي عن الخلافة، وهو: أنّ اللَّه سبحانه وتعالى أناب الجماعة البشرية في الحكم، وقيادة الكون وإعماره اجتماعياً وطبيعياً، وعلى هذا الأساس تقوم نظرية حكم الناس لأنفسهم وشرعية ممارسة الجماعة البشرية حكم نفسها بوصفها خليفةً عن اللَّه.
وعملية الاستخلاف الربّاني للجماعة على الأرض بهذا المفهوم الواسع تعني:
أوّلًا: انتماء الجماعة البشرية إلى محورٍ واحدٍ وهو المستخلِف- أي اللَّه سبحانه وتعالى- الذي استخلفها على الأرض بدلًا عن كل الانتماءات الاخرى،
[1] الأحزاب: 72
[2] وهي قوله تعالى:« يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً …»، سورة ص: 26