التي يمكن للشيء بها أن يُشبع حاجة الإنسان مع عامل الندرة الطبيعية، ويدخل في عامل الندرة كمّية وصعوبة العمل التي يتطلّبها، فكلّما كانت السلعة تتطلّب عملًا أطول أو أصعب كانت درجة ندرتها الطبيعية أكبر، كما يدخل أيضاً مدى التواجد الطبيعي للمادّة في الكون، فقد يكون الذهب أعلى قيمةً من الفضّة لمجرّد أنّ مناجم الذهب أندر في الطبيعة من مناجم الفضّة.
وأمّا عامل الندرة الذي يخلقه الاحتكار وتحكّم الأفراد بمستوى العرض أو الطلب فهو يساهم في تحديد الثمن الفعلي للسلعة أو الأجر الفعلي للعمل، ولكنّه ثمن مصطنع لا يتطابق مع القيمة التبادلية الثابتة بصورةٍ موضوعية، أي إنّه ثمن تدخّلت إرادة الإنسان لاستغلال الآخرين في تكوينه.
وهكذا يميّز الإسلام بين القيمة والأثمان الفعليّة، وتتّجه الدولة في ظلّه إلى محاولة الاحتفاظ للسلع وأشكال العمل في مختلف ميادين الحياة الاقتصادية بقيمها التبادليّة الحقيقيّة التي تحدّدها المنفعة وعامل الندرة الطبيعيّة، ومقاومة كلّ انحرافٍ للثمن السوقي عن تلك القيمة صعوداً أو هبوطاً بسبب الندرة المصطنعة التي يخلقها الاحتكار والمحتكرون.
قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لمالك الأشتر: «واعلَم مع ذلك أنَّ في كثيرٍ منهم ضيقاً فاحشاً، وشُحّاً قبيحاً، واحتكاراً للمنافع، وتحكّماً في البِياعات، وذلك باب مضرَّةٍ للعامة، وعيب على الولاة، فامنع من الاحتكار، فإنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله منع منه. وليكن البيع بيعاً سمحاً بموازين عدلٍ، وأسعارٍ لا تجحف بالفريقين من البائع والمبتاع، فمن قارف حكرةً بعد نَهيِكَ إيّاه فنكِّل به وعاقِبْه في غير إسراف»[1].
[1] نهج البلاغة: 438، الكتاب 53