عصورٍ اخرى، ولم يتّفق في زمانٍ من تلك الأزمنة، أن يكون قد بلغ استهتار الخليفة إلى درجة التجاهر بمساورة الخمر وشربه، والتصدّي للتنكيل بمن يفتي بنجاسته، وأيّ فائدةٍ لشاربي الخمر في تطهيره مع التأكيد على حرمته؟!
ونحن نلاحظ على عكس ما ادّعي: أنّ الأئمّة عليهم السلام شنّوا حملةً شديدةً ضدّ الفكرة القائلة بإباحة غير الخمر من أنواع الأنبذة التي يسكر كثيرها دون قليلها، ولم يؤثر عنهم أيّ تساهلٍ في ذلك.
فلو كان هناك اتّجاه نحو مجاملة فسق السلاطين لاقتضى خلاف تلك الحملة، حتّى روي عن الإمام الصادق عليه السلام في شأن النبيذ المسكر: «واللَّه إنّه لشيءٌ ما اتّقيت فيه سلطاناً ولا غيره»[1].
ثمّ إنّ روايات الطهارة بحسب ألسنتها لا تناسب الحمل على التقية؛ لوضوحها، وصراحة بعضها، واشتمالها على التعليل بأنّ اللَّه إنّما حرّم شربها، لا الصلاة فيها، مع أنّ لسان التقية عادةً لسان الإجمال والاضطراب، لا التفصيل والتعليل والتأكيد.
وشاهد آخر: إذا لاحظنا رواية حريز، وهو عطف «ودك الخنزير» على الخمر، مع أ نّه لم يُفتِ أحد من فقهاء السنّة بطهارة شحم الخنزير ولحمه، ولم يؤْثَر عن أحدٍ من الخلفاء أ نّه أكل لحم الخنزير.
وممّا تقدّم ربّما تنقدح صيغة ثالثة للحمل على التقية معاكسة للوجهين السابقين، وهي حمل أخبار النجاسة على التقية؛ لِمَا عرفت من موافقتها للرأي الفقهيّ العامّ عند السنّة.
وهذا حمل معقول في نفسه، وأوجه من الوجهين السابقين للتقية، ولكنّه
[1] وسائل الشيعة 25: 351، الباب 22 من أبواب الأشربة المحرّمة، الحديث 3