وفي هذا الضوء يعلم أ نّا إذا فسّرنا الطعام بالبرِّ، أو بما كان كالبرّ من المواد الأساسية للغذاء: إمّا لكونه أحد المعنيَيْن للكلمة لغةً، أو لورود تفسيرٍ بذلك في الروايات.
فمن الواضح عندئذٍ أنّ الآية الكريمة أجنبية عن إفادة الطهارة؛ لأنّ ظاهر إضافة الطعام إلى أهل الكتاب، بناءً على تفسيره بالبرّ ونحوه إضافة الملكية والسلطنة، وهذا يجعل مفاد الآية الكريمة نفي الحرمة؛ من ناحية كون الطعام ملكاً للكتابيّ وتحت سيطرته في مقابل احتمال حرمته، ولو من باب لزوم مقاطعة أهل الكتاب، وقطع التعامل معهم.
وإن فسّرنا الطعام بما يكون غذاءً فعلياً، فقد يقال أيضاً: بأنّ الآية لا تدلّ على الطهارة، لأنّ نظرها إلى نفي الحرمة من ناحية إضافة الطعام إلى الكتابيّ بإضافة الملكية والسلطنة، وهذا لا ينافي الحرمة في بعض ما يضاف إليه كذلك، بسبب الملاقاة المسرية الموجبة للنجاسة.
ولكنّ الصحيح: أنّ الطعام إذا كان بمعنى ما هو مُعَدّ للأكل فعلًا، فإنّ إضافته إلى أهل الكتاب ظاهرةٌ في إضافته بما هو معدّ للأكل، بحيث تكون حيثية الإعداد مضافةً إليهم أيضاً، وهذا لا يكفي فيه مجرّد كونه ملكاً لهم، بل يعنى كونه هو الطعام الذي يعدّونه لأكلهم بطبخٍ ونحوه، ويكون في معرض تناولهم منه.
ونفي الحرمة من ناحية مثل هذه الإضافة دالّ عرفاً على عدم النجاسة؛ لأنّ العادة جارية في مثل هذه الإضافة على استتباعها للملاقاة بالرطوبة، فنفي الحرمة من ناحيتها يقتضي عدم النجاسة، فينحصر أساس التشكيك في الاستدلال بالآية الكريمة بحمل الطعام على البرّ ونحوه من المواد- ولو تعبّداً- بالتفسير الوارد في الروايات، إذ معه تكون الإضافة بمعنى الملكية والواجدية، ونفي الحرمة من ناحيتها لا يقتضي نفي النجاسة، كما هو واضح.