بقوله تعالى: «الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَ طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَ طَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ …»[1].
والتحقيق: أ نّه إن اريد الاستدلال بحلّية طعام أهل الكتاب على طهارتهم بدعوى: أنّ هذا التحليل مسوق لنفي النجاسة مباشرةً، فهو مندفع: بأنّ الظاهر من المقطع القرآنيّ المذكور أ نّه بصدد إلغاء البينونة، ونفي المقاطعة بين الجماعة المسلمة وأهل الكتاب، وليس ناظراً إلى نفي النجاسة بعنوانها.
ولهذا فإنّ النصّ القرآنيّ يحلّل طعام المسلمينَ للكتابيّ، كما يحلّل طعامه لهم. ومن الواضح أنّ تحليل طعام المسلمين للكتابيّ ليس في مقام نفي نجاسة المسلم، بل التحليلان معاً يستهدفان غرضاً تشريعياً واحداً، وهو ما ذكرناه من إلغاء البينونة، ولهذا عطف على ذلك جواز نكاح الكتابية أيضاً، فالسياق كلّه متّجه نحو ذلك، فهو يدلّ على أنّ إضافة الطعام إلى أهل الكتاب، وكونه طعامهم ليس ملاكاً للاجتناب والمقاطعة.
وإن اريد الاستدلال بالآية على الطهارة بدعوى: أ نّها تُفهم ضمناً؛ لأنّ الكتابيّ لو كان نجساً ومنجّساً لكان ارتباط الطعام به وكونه طعامه ممّا يقتضي الاجتناب عنه لنجاسته. فهو موقوف على أن تكون إضافة الطعام إلى أهل الكتاب بمعنى ما يعدّونه ويطبخونه من طعام، كالأمراق- مثلًا- التي إضافتها إلى الكتابيّ بهذا المعنى مساوقة عادةً لملاقاته لها بنحوٍ موجبٍ للسراية.
وأمّا إذا كانت الإضافة بمعنى ما يكون ملكاً لأهل الكتاب وتحت سلطانهم من الطعام فمن الواضح أنّ هذه الإضافة لا تتضمّن الملاقاة المسرية دائماً،
[1] المائدة: 5