وهنا روايتان وردتا في مطهّرية النار في مورد الانفعال بالميتة، وقد يتعدّى من موردهما إذا تمّت دعوى عدم الفرق قطعاً أو ارتكازاً:
إحداهما: رواية أحمد بن محمد بن عبد اللَّه بن الزبير، عن جدّه قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن البئر تقع فيها الفأرة أو غيرها من الدوابّ فتموت، فيعجن من مائها، أيؤكل ذلك الخبز؟ قال: «إذا أصابته النار فلا بأس بأكله»[1].
وهذه الرواية تفترض انفعال ماء البئر، وبعد ثبوت اعتصامه لابدّ من حمل البأس فيها على التنزّه لا على النجاسة، فلا تكون دالّةً على مطهّرية النار، بل على ارتفاع الحزازة التنزيهية بها.
هذا، مضافاً إلى ضعف سندها، وعدم ثبوت وثاقة أحمد بن محمد المذكور.
والاخرى: رواية محمد بن أبي عمير، عمّن رواه، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام:
في عجينٍ عُجِن وخُبِز، ثمّ علم أنّ الماء كانت فيه ميتة، قال: «لا بأس، أكلت النار ما فيه»[2].
وهي- مضافاً إلى سقوطها سنداً بالإرسال- يمكن المناقشة في دلالتها:
بأنّ ظاهر الأكل كون المأكول شيئاً عينياً، فلا معنى لحمله على أكل النجاسة الحكمية، ومع الحمل على عينية المأكول يكون مفاد الرواية مساوقاً للتعليل الوارد في بعض الروايات المتقدّمة، فلا يناسب كونه تعليلًا لارتفاع النجاسة، بل لارتفاع الحرمة، فيختصّ بالميتة الطاهر في نفسها.
[1] وسائل الشيعة 1: 175، الباب 14 من أبواب الماء المطلق، الحديث 17
[2] المصدر السابق: الحديث 18