في السؤال والموجبة للاستخبار تكون مذكورةً في كلام السائل، وهي ملاقاة دمقليلٍ للماء الموجود في الإناء.
وعلى هذا الأساس يمكن استظهار الاحتمال الثالث في مقابل الاحتمالين الأوّلين.
ولكن قد يقال: بأنّ الظاهر من قوله: «إن لم يكن شيء يستبين في الماء فلا بأس، وإن كان شيئاً بيِّناً فلا يتوضّأ منه» إناطة جواز الوضوء- إثباتاً ونفياً- باستبانة دمٍ في الماء فعلًا، وعدم استبانته فعلًا، فليس مناط الجواز أن لا يكون الدم قد استبان في الماء عند سقوطه فيه، بل أن لا يكون هناك شيء يستبين فيالماء فعلًا. وهذا يعني: إناطة الجواز باستهلاك الدم، وعدم الجواز بعدم استهلاكه.
فتكون الرواية قريبةً من الروايات الدالّة على عدم انفعال الماء القليل بملاقاة النجس بدون تغيّر، وتعارضها حينئذٍ رواية عليّ بن جعفر: «في رجلٍ رعف وهو يتوضّأ فتقطّر قطرة في إنائه، هل يصلح الوضوء منه؟ قال: لا»[1].
فإنّ القطرة لا تستبين في الماء بعد وقوعها ببرهةٍ قصيرةٍ عادةً؛ لانتشارها واستهلاكها فيه. فلو كان المناط في جواز الوضوء عدم وجود شيءٍ مستبين فعلًا لجاز الوضوء من الماء بُعيد وقوع القطرة فيه.
والحاصل: أنّ المقصود من الاستبانة- إثباتاً ونفياً- لو كان هو الاستبانة بلحاظ آن الملاقاة لا نطبقت الرواية على التفصيل المشار إليه. وأمّا إذا كان المقصود الاستبانة وعدمها فعلًا فلا تنطبق على ذلك التفصيل. وهذا إن لم يكن هو الظاهر من الرواية فهي على الأقلّ مجملة محتملة للأمرين.
[1] وسائل الشيعة 1: 150- 151، الباب 8 من أبواب الماء المطلق، ذيل الحديث 1