وإن شئتم قلتم: إنّ الامتزاج الذي يقول القائلون بالامتزاج بدخله في التطهير هو امتزاج الماء المتنجّس بماءٍ طاهرٍ معتصم بالفعل حال الامتزاج، وفي مورد رواية ابن بزيع لم يمتزج الماء المتنجّس بماءٍ طاهرٍ معتصم حال الامتزاج؛ لأنّ الماء الذي امتزج به خلال عملية النزح تغيّر به وأصبح متنجّساً، فلم يحصل امتزاج الماء المتنجّس بالماء الطاهر المعتصم حال الامتزاج، الذي هو المطهّر عند القائلين باعتبار الامتزاج، فالرواية إذن- بلا حاجةٍ إلى التكلّفات السابقة- تكون دليلًا على حصول الطهارة بمجرّد الاتّصال.
وهذا الوجه هو الوجه الذي نعتمد عليه لإثبات هذا المدّعى، وإن دغدغنا فيه في بعض كتاباتنا القديمة بما حاصله: أنّ هذا الوجه يكون واضحاً جدّاً لوفرضنا أنّ الماء المتنجّس المتغيّر الموجود في البئر يبقى بتمامه متغيّراً إلى لحظةٍ معيّنةٍ، ثمّ يزول التغيّر عنه بتمامه، فيقال حينئذٍ: بأنّ هذا ماء متنجّس إلى تلك اللحظة وقد طهر بمجرّد الاتّصال، دون أن يمتزج بماءٍ معتصم طاهرٍ بالفعل.
ولكن بالإمكان أن نفرض أنّ ماء البئر الذي كان موجوداً حين التغيّر بالنجاسة ليس على نحو واحد بحيث يكون متغيّراً بتمامه ثمّ يصبح بريئاً من التغيّر بتمامه دفعةً واحدة، بل يمرّ بثلاث حالاتٍ متعاقبة:
الاولى: حالة التغيّر الشديد، وأثر هذا التغيّر الشديد أ نّه كلّما يضاف إليه بالنزح ماء جديد يغيّره أيضاً، فهو تغيّر مغيِّر.
الحالة الثانية: حالة التغيّر الضعيف، بحيث لا يعطي صفته لما ينضمّ إليه من الماء، وفي هذه الحالة يشكّل ذلك الماء المتغيّر طبقةً اولى ويشكّل ما يتجدّد نبعه من حين ابتداء الحالة الثانية طبقةً ثانيةً غير متغيّرة.
والحالة الثالثة: حالة زوال التغيّر عن تلك الطبقة الاولى نهائياً، وهكذا نلاحظ أنّ الطبقة الاولى تتّصف أوَّلًا بالحالة الاولى وهي حالة التغيّر المغيّر، وكل