الاقتضاء في المصبوغ أكبر، ولا دائرة المانع في غير المصبوغ أوسع، بل المقتضي هو المقتضي، والمانع هو المانع في كليهما. غاية الأمر أنّ الصبغ يتدخّل في منع وجود المانع في الكرّ المصبوغ، إذ يحول دون تغيّر الماء بالدم، وهذا لا يعني دخله في تقوية اقتضاء الماء للاعتصام، فكم فرق بين أن يتقوّى اقتضاء الكرّ المصبوغ للاعتصام بحيث يتغلّب على المانع الذي يمنع عن تأثير اقتضاء الكرّ الآخر للاعتصام، وبين أن يكون اقتضاء الكرّ المصبوغ للاعتصام- كاقتضاء الكرّ الآخر- غير قادرٍ على التغلّب على المانع لو وجد، ولكنّ الصبغ يحول دون وجوده، وما هو مستلزم لكون الصبغ دخيلًا في تأكّد الاعتصام إنّما هو الأوّل، وماهو اللازم من التفرقة بين الكرّين في المقام هو الثاني.
وإن شئتم توضيح ذلك فلاحظوا حال الماء الكثير مع الماء القليل، حيث يقال: إنّ الكثير لا ينفعل بالملاقاة، والقليل ينفعل، فإنّ هذا يعني أنّ الكثرة مؤكِّدة لاقتضاء الماء للطهارة؛ لأنّها توجب أن يكون الشيء المانع عن الطهارة في القليل- وهو الملاقاة- غير مانعٍ لو وجد في الكثير. وأمّا إذا وجد ماءان قليلان وهمَّ كلب بأن يشرب من كلٍّ منهما، إلّاأ نّه وجد أحدهما نتناً فانصرف عنه وشرب من الآخر فإنّه ينجس ما شرب منه الكلب دون ذلك الماء النتن.
ولا يقال هنا: إنّ النتن صار مؤكّداً لاقتضائه للطهارة، بل إنّ النتن سبب في أن لا يوجد المانع، لا في أن لا يكون المانع مانعاً.
ومحلّ الكلام من هذا القبيل، فإنّ الصبغ سبب في أن لا يوجد التغيّر، لا في أن لا يكون التغيّر مانعاً. ومثل هذا ليس معناه تقوية اعتصام الماء بالصبغ.
وهذا الجواب وإن كان فنّياً- لتوضيح: أ نّه لا يلزم من البناء على عدم الانفعال في موارد النقض دخل الصبغ في تقوية ملاك الاعتصام- ولكنّه لا ينافي كون الحكم بعدم الانفعال في الكرّ المصبوغ على خلاف الارتكاز العرفي، وإذا