كان على خلاف الارتكاز حقّاً فهذا يكشف عن وجود نكتةٍ اخرى لهذا الارتكاز العرفي، غير نكتة استلزام عدم الانفعال لكون الصبغ دخيلًا في تقوية ملاك الاعتصام، وتكون فائدة هذه الفرضيّات المذكورة في الوجه الثاني والثالث المساعَدةَ على التنبّه إلى ذلك الارتكاز، على ما سوف نشرحه إن شاء اللَّه تعالى.
الوجه الرابع: نفرض ماءً ألقينا فيه صبغاً أحمرَ لكن بدرجةٍ لا تكفي لتغيّره، وبقي بينه وبين أن يظهر عليه علائم التغيّر شيء يسير جدّاً، فجئنا بمقدارٍ قليلٍ من الدم فألقيناه في ذلك الماء الذي أصبح على وشك التغيّر فتغيّر الماء ففي هذا الفرض يستبعد الفقيه جدّاً الحكم بانفعال الماء بذلك الدم القليل؛ لأنّه وإن تغيّر الماء بسببه ولكنّ قلّته وضآلته تأبى عن قبول الشمول في إطلاق دليل النجاسة بالتغيّر لهذا الفرض، وهذا يعني: أنّ التغيير الذي يكون منجّساً هو التغيير الذي يحصل في الماء حينما يلحظ لو لا الطوارئ، وحيث إنّ الماء- في هذا الفرض- لو لوحظ لولا الأصباغ التي القيت فيه لَما تغيّر بالدم القليل الذي ألقيناه فيه فلا يحكم بنجاسته.
فالميزان في التنجيس- إثباتاً ونفياً- هو التغيير لولا الطوارئ، فكما أ نّنا لا نحكم بالنجاسة مع وجود تغييرٍ بالفعل في الفرض المذكور- لأنّ التغيير لولاالطوارئ لم يحصل- كذلك نحكم بالنجاسة مع عدم التغيير بالفعل في محلّ الكلام؛ لأنّ التغيير لو لا الطوارئ حاصل.
والجواب على هذا الوجه: أنّ الحكم بعدم نجاسة الماء في المثال المفروض قد يكون الملاك فيه عدم حصول التغيّر الفعليّ بالدم، لا مجرّد عدم التغير لو لا الطوارئ. وأمّا التغيّر الفعليّ الذي ظهر في الماء عقيب إلقاء الدم فيه فهو ليس تغيّراً فعلياً بالدم وحده، بل هو تغيّر فعليّ بالمجموع المركّب من الدم والصبغ السابق، فالحكم بعدم النجاسة في الماء المفروض ينسجم مع كون الميزان