لكان معنى ذلك: أنّ كون الماء مصبوغاً يزيد في عصمته وطهارته، وهذا على خلاف الارتكاز العرفي. فالدليل الشامل بلسانه اللفظي لفرض اقتران الصبغ مع الدم يدلّ بتوسّط ذلك الارتكاز وبالملازمة العرفية على ثبوت الحكم فيما إذا القي الدم بعد الصبغ أيضاً. وسوف يأتي الكلام في تحقيق ذلك.
الوجه الثالث: أ نّنا لو فرضنا ماءين كُرَّين متساويين أحدهما مصبوغ دون الآخر، وجئنا بكمّيّتين متساويتين من الدم فألقينا في كلٍّ من الكرَّين مقداراً مماثلًا لِمَا ألقيناه في الآخر فتغيّر الماء غير المصبوغ، ولم ينعكس التغيّر على الماء المصبوغ فلا إشكال في شمول دليل الانفعال بالتغيّر للماء غير المصبوغ لحدوث التغيّر فيه بالفعل، فلو بني على عدم انفعال الماء الآخر المصبوغ لكان معناه: أنّ الماء يعتصم بالصبغ الأحمر. وحيث إنّ هذا على خلاف الارتكاز العرفي، فالدليل الدال على انفعال الماء غير المصبوغ، دال بالالتزام العرفي، على انفعال الماء المصبوغ.
ومرجع هذا الوجه، والوجه السابق إلى نكتة واحدة، وهي: أنّ البناء على عدم الانفعال في الماء المصبوغ معناه اعتصام الماء بالصبغ.
ويمكن الجواب على ذلك: بأنّ بالإمكان الالتزام بأنّ الكرّ المصبوغ لا ينفعل، مع أنّ الكرّ الآخر ينفعل، وليس ذلك لكون الصبغ الأحمر دخيلًا في تقوية اقتضاء المقتضي للاعتصام في ذلك الكرّ، بل اقتضاء الاعتصام في كلٍّ من الكرّين على نحوٍ واحد، والمقتضي للاعتصام فيهما معاً هو كثرة الماء، دون أن يكون للصبغ دخل في الاقتضاء للاعتصام. وهذا المقتضي الثابت فيهما معاً له مانع يعيقه عن التأثير لو اقترن به، ولا يقوى المقتضي أن يتغلّب على ذلك المانع، وهذا المانع سنخ مانعٍ واحد في كلٍّ من الكرّين وهو التغيّر، فكلّ ما يغلب اقتضاء المقتضي في الكرّ غير المصبوغ يغلب اقتضاءَه في الكرّ المصبوغ أيضاً. فلا دائرة