إذ قد يستظهر من هذه العبارة: أنّ جملةً من أصحابنا يجوِّزون- خلافاً للأكثر- ما ساوره الكتابيّ بالرطوبة، اللهمّ إلّاأن يكون التعبير بالأكثر بلحاظ الفتوى بحرمة ذبيحة الكتابي، لا بلحاظ الفتوى بحرمة ما ساوره بالرطوبة.
ومنها: أيضاً كلام للشيخ الطوسيّ قدس سره في النهاية استظهر منه القول بطهارة أهل الكتاب، وهو قوله: «ويكره أن يدعو الإنسان أحداً من الكفّار إلى طعامه فيأكل معه، وإن دعاه فليأمره بغسل يديه ثمّ يأكل معه إن شاء»[1].
ولكنّ هذا الظهور لا يمكن الأخذ به؛ لأنّ للشيخ في كلامٍ متقدّمٍ بأسطر- على ما نقلناه- نصّاً يدلّ بوضوحٍ على فتواه بالنجاسة، فلا بدّ من حمل كلامه هذا على فرض عدم المساورة برطوبة، عملًا بما دلّ من الروايات على إناطة الإذن في مؤاكلة الكتابيّ على الوضوء المحمول على الغسل، كصحيحة العيص بن القاسم الآتية، بعد تقييدها بكيفيةٍ لا تسري معها النجاسة، فيكون أمر الكافر بغسل يديه أدباً شرعياً صرفاً.
ومنها: ما نقل عن الشيخ المفيد قدس سره في أجوبة بعض مسائله من الحكم بكراهة سؤر اليهود والنصارى[2]، وهو لا يناسب القول بالنجاسة؛ لظهور الكراهة في كلام المفيد وأمثاله في المعنى المصطلح المقابل للحرمة.
ويبقى استغراب أن يكون المفيد قائلًا بالطهارة، ولا يُؤْثَر ذلك عنه! بل يدَّعي تلامذته- كالمرتضى[3]، والشيخ الطوسيّ[4]– الإجماع على النجاسة، وهم
[1] استظهره في مسالك الأفهام 12: 67 والنهاية في مجرّد الفقه والفتاوى: 589- 590
[2] نقله عنه في المعتبر 1: 96
[3] الانتصار: 88- 89
[4] تهذيب الأحكام 1: 223، ذيل الحديث 637