فقد يقال على هذا الأساس بظهور السعة في المعنى الثاني، غير أ نّه رجَّح في المستمسك[1] أن تكون السعة بمعنى السعة في الحكم لا بمعنى الكثرة؛ لأنّ الكثرة أمر خارجيّ عرفي، فيكون حمل كلمة «واسع» عليه خلاف ظاهر البيان الوارد من الشارع، ولا سيّما بملاحظة عدم المناسبة فيالتعبير عن الكثرة بالسعة.
ولكنّ هذا الترجيح ممّا لا يمكن قبوله؛ لأنّ الكثرة وإن كانت أمراً خارجياً ولكنّ ذكر الشارع له يناسب حاله بما هو شارع إذا كان الغرض من ذكره التنبيه على نكتة الاعتصام، ومناط الحكم بعدم الانفعال الذي بيّنه بقوله: «لا ينجّسه شيء»، فكأ نّه قال: «لا ينجّسه شيء لأنه واسع»، فليس ذكر السعة لمجرّد الإخبار عن أمرٍ خارجيٍّ ليقال: إنّه منافٍ مع ظهور حال الشارع، بل تمهيد لبيان الحكم الذي تستتبعه هذه السعة، وإشارة إلى نكتة ذلك الحكم، خصوصاً إذا كان المراد بالسعة: الكثرة المعنوية، لا الكثرة الفعلية.
ونريد بالكثرة الفعلية: ما هو موجود بالفعل من الماء في جوف البئر. ونريد بالكثرة المعنوية: ما هو موجود في عروق الأرض من الرطوبات التي تتكوّن منها مادة ماء البئر.
وظاهر قوله: «ماء البئر واسع» كونه بطبعه مساوقاً للسعة، وهذا قرينة على أنّ نظره في توصيفه بالسعة إلى ما هو موجود في عروق الأرض من المادة، لا إلى ما هو موجود بالفعل من الماء في البئر، إذ ليس الغالب في هذا الماء أن يكون كثيراً. فبهذه القرينة تكون كلمة «واسع» ظاهرةً في النظر إلى ما في المادة. وحيث إنّ ما في المادة ليس ماءً بالفعل وإنّما هو رطوبات على الأغلب فكأنّ الإمام عليه السلام في مقام بيان أنّ ماء البئر مصداق للكبرى الارتكازية المفروغ عنها، وهي عصمة
[1] مستمسك العروة الوثقى 1: 125