الماء الكثير، وهي مصداقية لا تخلو من عناية؛ لأنّ كون ماء البئر كثيراً إنّما هو بمافي المادة، وما في المادة ليس في الغالب ماءً بالفعل، بل رطوبات، فبعناية تنزيل تلك الرطوبة منزلة الماء المتّصل بعضه ببعض يكون ماء البئر مصداقاً للماء الكثير، وباعتبار هذه العناية احتاج الإمام عليه السلام إلى توصيف ماء البئر بأ نّه واسع تنبيهاً على هذه العناية، وإشارهً إلى نكتة الاعتصام في ماء البئر. وأين هذا من الإخبار عن مجرّد أمرٍ خارجيٍّ ليقال: إنّه خلاف الظاهر؟!
وأمّا ما افيد من عدم المناسبة في التعبير عن الكثرة بالسعة ففيه: أنّ السعة لم يُرَدْ منها الكثرة بمفهومها، بل حيث إنّ للماء حجماً والحجم يتّصف بالسعة فيصحّ توصيف الماء بأ نّه واسع، كما يقال: «مكان واسع» و «بلد واسع»، وهذا يعطي في الماء معنى الكثرة.
نعم، قد يستشهد لكون السعة بمعنى السعة في الحكم بأنّ قوله: «لا ينجّسه شيء» لم يعطف بالواو على كلمة «واسع»، وحذف حرف العطف قد يكون قرينةً عرفاً على أنّ الثاني مجرّد تكرارٍ للأوّل، فيدلّ على أنّ السعة بمعنى السعة في الحكم.
ولكن لو سلّم أنّ حذف حرف العطف يدلّ على شيءٍ فيكفي في ذلك كون الثاني متفرّعاً عن الأوّل، ومن شؤونه، من قبيل قوله في موثّقة عمّار الواردة في العصير العنبي: «خمر لا تشربه»[1].
وإذا تمّ لدينا استظهار أنّ السعة بمعنى مساوق للكثرة، وأنّ المراد بالكثرة:
الكثرة المعنوية بعناية تنزيل ما في المادة من رطوباتٍ منزلة الماء الفعليّ المتّصل بعضه ببعضٍ فمن المعلوم أنّ الظاهر من ذكر السعة في صدر الرواية بيان نكتة
[1] تهذيب الأحكام 9: 122، الحديث 526