إحداهما: في البحث حول أصل مطهِّرية الماء المعتصم للماء المتنجّس.
والاخرى: بعد الفراغ عن أصل المطهّرية يقع الكلام فيها عن كفاية الاتّصال في المطهّرية، أو الاحتياج إلى الامتزاج.
أمّا الجهة الاولى فلا إشكال في مطهّرية الماء المعتصم للماء المتنجّس في الجملة، وقد استدلّ على ذلك بوجوه:
الأوّل: أنّ الماء المتنجّس إذا أوصلناه بالماء المعتصم- كالكرّ مثلًا- على نحوٍ صار ماءً واحداً: فإمّا أن نحكم بنجاسة الجميع، أو بطهارة الجميع؛ لأنّ الماء الواحد ليس له إلّاحكم واحد بمعنى: أنّ أبعاضه متلازمة في الحكم طهارةً أو نجاسةً. والحكم بنجاسة الجميع خلاف إطلاق دليل اعتصام الكرّ الذي أوصلنا الماء المتنجس به، فيتعيّن الحكم بطهارة الجميع.
ومرجع هذا الدليل في الحقيقة إلى الاستدلال بالدلالة الالتزامية العرفية لدليل اعتصام الكرّ؛ لأنّ التلازم بين أبعاض الماء الواحد في الحكم ليس مدلولًا لدليل لفظيٍّ أو عقلي، وإنّما هو تلازم عرفي، فيكون منشأً لدلالةٍ التزاميةٍ عرفيةٍ في دليل اعتصام الكرّ الدالّ على بقاء الكرّ على طهارته بعد إيصاله بالماء المتنجّس، إذ يدلّ من أجل ذلك التزاماً على أنّ الماء المتنجّس قد طهر؛ للتلازم بين الأمرين عرفاً.
وهذا الاستدلال يتوقّف على أن لا يكون لدليل انفعال الماء المتنجّس- الذي يراد تطهيره بتوحيده مع الكرّ- إطلاق أحواليّ يشمل حال ما بعد التوحّد.
وأمّا إذا كان له إطلاق من هذا القبيل فتقع المعارضة بين هذا الإطلاق وإطلاق دليل الاعتصام. وقد مرّ في بحث[1] تغيّر الماء المعتصم بأوصاف النجس التي
[1] راجع الصفحة 269 وما بعدها من الصفحات