وهي: أنّ الظروف المتماثلة والأشياء المتشابهة في النوع والحقيقة يجب أن تشترك في القوانين والنواميس؟! وهنا نتساءل مرّة اخرى عن هذه القاعدة:
كيف توصّل إليها العقل؟ ولا يمكن للتجريبيين هنا أن يزعموا أ نّها قاعدة تجريبية، بل يجب أن تكون من المعارف العقلية السابقة على التجربة؛ لأنّها لو كانت مستندة إلى تجربة فهذه التجربة التي ترتكز عليها القاعدة هي- أيضاً- لا تتناول بدورها إلّاموارد خاصّة، فكيف ركّزت على أساسها قاعدة عامّة؟! فبناء قاعدة عامّة وقانون كلّي على ضوء تجربة واحدة أو عدّة تجارب لا يمكن أن يتمّ إلّابعد التسليم بمعارف عقلية سابقة.
وبهذا يتّضح: أنّ جميع النظريات التجريبية في العلوم الطبيعية ترتكز على عدّة معارف عقلية لا تخضع للتجربة، بل يؤمن العقل بها إيماناً مباشراً، وهي:
أوّلًا- مبدأ العلّية بمعنى: امتناع الصدفة؛ ذلك أنّ الصدفة لو كانت جائزة لما أمكن للعالم الطبيعي أن يصل إلى تعليل مشترك للظواهر المتعدّدة التي ظهرت في تجاربه.
ثانياً- مبدأ الانسجام بين العلّة والمعلول الذي يقرّر أنّ الامور المتماثلة في الحقيقة لا بدّ أن تكون مستندة إلى علّة مشتركة.
ثالثاً- مبدأ عدم التناقض الحاكم باستحالة صدق النفي والإثبات معاً.
فإذا آمن العالم بهذه المعارف السابقة على التجربة ثمّ أجرى تجاربه المختلفة على أنواع الحرارة وأقسامها، استطاع أن يقرّر في نهاية المطاف نظرية في تعليل الحرارة بمختلف أنواعها بعلّة واحدة كالحركة مثلًا. وهذه النظرية لا يمكن في الغالب تقريرها بشكل حاسم وصورة قطعيّة؛ لأنّها إنّما تكون كذلك إذا أمكن التأكّد من عدم إمكان وجود تفسير آخر لتلك الظواهر، وعدم صحّة تعليلها بعلّة اخرى، وهذا ما لا تحقّقه التجربة في أغلب الأحيان، ولهذا تكون