لماذا تحتاج الأشياء إلى علّة؟
نتناول الآن ناحية جديدة من مبدأ العلّية، وهي الإجابة عن السؤال التالي:
لماذا تحتاج الأشياء إلى أسباب وعلل، فلا توجد بدونها؟ وما هو السبب الحقيقي الذي يجعلها متوقّفة على تلك الأسباب والعلل؟ وهذا سؤال نواجهه بطبيعة الحال بعد أن آمنّا بمبدأ العلّية؛ فإنّ الأشياء التي نعاصرها في هذا الكون ما دامت خاضعة بصورة عامة لمبدأ العلّية، وموجودة طبقاً لقوانينها، فيجب أن نتساءل عن سرّ خضوعها لهذا المبدأ، فهل مردّ هذا الخضوع إلى ناحية ذاتية في تلك الأشياء، لا يمكنها أن تتحرّر عنها مطلقاً؟ أو إلى سبب خارجي جعلها بحاجة إلى علل وأسباب؟ وسواءٌ أصحّ هذا أم ذاك، فما هي حدود هذا السرّ الذي يرتكز عليه مبدأ العلّية؟ وهل يعمّ ألوان الوجود جميعاً أو لا؟
وقد حصلت هذه الأسئلة على أربع نظريات لمحاولة الإجابة عنها:
أ- نظرية الوجود:
وهي النظرية القائلة: إنّ الموجود يحتاج إلى علّة؛ لأجل وجوده. وهذه الحاجة ذاتية للوجود، فلا يمكن أن نتصوّر وجوداً متحرّراً من هذه الحاجة؛ لأنّ سبب الافتقار إلى العلّة سرّ كامن في صميمه. ويترتّب على ذلك: أنّ كلّ وجود معلول.
وقد أخذ بهذه النظرية بعض فلاسفة الماركسية، مستندين في تبريرها علمياً إلى التجارب التي دلّت- في مختلف ميادين الكون- على أنّ الوجود بشتّى ألوانه