بلا عوض. وما دامت المصلحة المادّية هي القوّة المسيطرة بحكم مفاهيم الحياة المادّية، فسوف تستأنف من جديد ميادين للصراع والتنافس، وسوف يُعرَّض المجتمع لأشكال من الخطر والاستغلال.
فالخطر على الإنسانية يكمن كلّه في تلك المفاهيم المادّية، وما ينبثق عنها من مقاييس للأهداف والأعمال. وتوحيد الثروات الرأسمالية- الصغيرة أو الكبيرة- في ثروة كبرى يُسلَّم أمرها للدولة من دون تطوير جديد للذهنية الإنسانية، لا يدفع ذلك الخطر، بل يجعل من الامّة جميعاً عمّال شركة واحدة، ويربط حياتهم وكرامتهم بأقطاب تلك الشركة وأصحابها.
نعم، إنّ هذه الشركة تختلف عن الشركة الرأسمالية في أنّ أصحاب تلك الشركة الرأسمالية هم الذين يملكون أرباحها، ويصرفونها في أهوائهم الخاصّة.
وأمّا أصحاب هذه الشركة فهم لا يملكون شيئاً من ذلك في مفروض النظام، غير أنّ ميادين المصلحة الشخصية لا تزال مفتوحة، والفهم المادّي للحياة- الذي يجعل من تلك المصلحة هدفاً ومبرِّراً- لا يزال قائماً.
كيف تعالج المشكلة؟
والعالم أمامه سبيلان إلى دفع الخطر وإقامة دعائم المجتمع المستقرّ:
أحدهما- أن يبدّل الإنسان غير الإنسان، أو تخلق فيه طبيعة جديدة تجعله يضحّي بمصالحه الخاصّة، ومكاسب حياته المادّية المحدودة في سبيل المجتمع ومصالحه، مع إيمانه بأ نّه لا قيم إلّاقيم تلك المصالح المادّية، ولا مكاسب إلّا مكاسب هذه الحياة المحدودة. وهذا إنّما يتمّ إذا انتزع من صميم طبيعته حبّ الذات، وابدل بحبّ الجماعة، فيولد الإنسان وهو لا يحبّ ذاته إلّاباعتبار كونه جزءاً من المجتمع، ولا يلتذّ لسعادته ومصالحه إلّابما أ نّها تمثّل جانباً من السعادة