ولكن من الواضح- على ضوء ما سبق- أنّ هذا الاكتشاف لا يثبت الجزء الذي لا يتجزّأ بمعناه الفلسفي؛ لأنّ وصول التحليل العلمي إلى ذرّة لا يستطيع أن يُجزّئَها، لا يعني أ نّها غير قابلة للتجزئة بحدّ ذاتها.
ج- المرحلة الثانية من الفيزياء الذرّية التي اعتبرت- على العكس من المرحلة الاولى- دليلًا قاطعاً على نفي الجزء الذي لا يتجزّأ؛ لأنّ العلم استطاع في هذه المرحلة أن يجزّئ الذرّة ويفجّرها، وتبخّرت بذلك فكرة الجزء الذي لا يتجزّأ.
وليست هذه المرحلة إلّاكالمرحلة السابقة في عدم صلتها بمسألة الجزء الذي لا يتجزّأ من ناحيتها الفلسفية؛ ذلك أنّ انقسام الذرّة أو تحطيم نواتها إنّما يغيّر فكرتنا عن الجزء، ولا يقضي بصورة نهائية على نظرية الجزء الذي لا يتجزّأ.
فالذرّة التي لا تنقسم بمعناها الذي كان لا يتصوّره (ديمقريطس)، أو بمعناها الذي وضع (والتن) على أساسه قانون النسب في الكيمياء .. قد تلاشى بتفجير الذرّة، ولكن هذا لا يعني أنّ المشكلة قد انتهت؛ فإنّ الوحدات الأساسية في عالم المادّة- وهي الشحنات الكهربائية، سواءٌ أكانت على شكل ذرّات وأجرام مادّية، أم على شكل أمواج- تواجه السؤال الفلسفي عمّا إذا كانت قابلة للتجزئة أو لا؟
الجزء والفلسفة:
وهكذا اتّضح في دراستنا أنّ مشكلة الجزء يجب أن تحلّ بطريقة فلسفية.
وللفلسفة طرق كثيرة للبرهنة فلسفياً على أنّ كلّ وحدة تقبل الانقسام ولا يوجد جزء لا يتجزّأ. ومن أوضح تلك الطرق أن نرسم دائرتين كالرحى، إحداهما في داخل الاخرى، ونقطة الوسط في الرحى هي مركز كلتا الدائرتين، ونضع نقطة على موضع معيّن من محيط الدائرة الكبيرة، ونقطة موازية لها