ومحتواه من عمليات وتغيّرات. وأمّا تفسير الإدراك في حقيقته وكنهه فلسفياً، فليس من حقّ تلك العلوم؛ إذ لا يمكن لها أن تثبت أنّ تلك الأحداث المعيّنة هي نفسها الإدراكات التي نحسّها من تجاربنا الخاصّة. وإنّما الحقيقة التي لا يرقى إليها شكّ ولا جدال هي: أنّ هذه الأحداث والعمليات الفيزيائية، والكيميائية، والفيزيولوجية، ذات صلة بالإدراك، وبالحياة السيكولوجية للإنسان، فهي تلعب دوراً فعّالًا في هذا المضمار، إلّاأنّ هذا لا يعني صحّة الزعم المادّي القائل بمادّية الإدراك؛ فإنّ فرقاً واضحاً يبدو بين كون الإدراك شيئاً تسبقه أو تقارنه عمليات تمهيدية في مستويات مادّية، وبين كون الإدراك بالذات ظاهرة مادّية، ونتاجاً للمادّة في درجة خاصّة من النموّ والتطوّر، كما تزعم الفلسفة المادّية.
فالعلوم الطبيعية- إذن- لا تمتدّ في دراستها إلى المجال الفلسفي- مجال بحث الإدراك في حقيقته وكنهه- بل هي سلبية من هذه الناحية، بالرغم من قيام المدرسة السلوكية في علم النفس بمحاولة تفسير حقيقة الإدراك والفكر في ضوء الكشوف الفيزيولوجية، وخاصّة الفعل المنعكس الشرطي الذي يؤدّي تطبيقه على الحياة السيكولوجية إلى نظرة آلية خالصة تجاه الإنسان، وسيأتي الحديث عن ذلك.
الإدراك في البحوث النفسية:
تنقسم البحوث السيكولوجية التي تعالج مشاكل النفس وقضاياها إلى قسمين:
أحدهما البحوث العلمية التي يتكوّن منها علم النفس التجريبي.
والآخر البحوث الفلسفية التي يتحمّل مسؤوليتها علم النفس الفلسفي، أو فلسفة علم النفس. ولكلّ من علم النفس وفلسفته طرائفه وأساليبه الخاصّة في