الدرس والبحث.
أمّا علم النفس، فهو يبدأ من النقطة التي تنتهي عندها الفيزيولوجيا، فيتناول الحياة العقلية وما تزخر به من عمليات نفسية بالدرس والتمحيص. وله في دراساته العملية منهجان رئيسيان:
أحدهما الاستبطان الذي يستعمله كثير من السيكولوجيين، ويميّز بصورة خاصّة المدرسة الاستبطانية في علم النفس؛ إذ اتّخذت التجربة الذاتية أداة لبحثها العلمي، ونادت بالشعور موضوعاً لعلم النفس.
والمنهج الآخر التجربة الموضوعية، وهو المنهج الذي احتلّ أخيراً المركز الرئيسي في علم النفس التجريبي، وأكّدت على أهمّيته- بصورة خاصّة- السلوكية التي اعتبرت التجربة الموضوعية مقوّماً أساسياً للعلم، وزعمت لأجل ذلك: أنّ موضوع علم النفس هو السلوك الخارجي؛ لأنّه وحده الذي يمكن أن تقع عليه التجربة الخارجية، والملاحظة الموضوعية … والحقائق التي يتناولها علم النفس هي الحقائق التي يتاح الكشف عنها بالاستبطان، أو التجربة الخارجية.
وأمّا ما يقع خارج الحدود التجريبية من الحقائق، فليس في إمكانات السيكولوجيا التجريبية أن تصدر حكمها في شيء من ذلك، أي: إنّها تمتدّ ما امتدّ الحقل التجريبي، وتنتهي بنهايته. وتبدأ- حينئذٍ- فلسفة علم النفس من النقطة التي انتهى إليها العلم التجريبي، كما بدأت السيكولوجيا شوطها العلمي من حيث انتهت الفيزيولوجيا. والوظيفة الأساسية للفلسفة النفسية هي محاولة الكشف عن تلك الحقائق التي تقع خارج الحقل العلمي والتجريبي؛ وذلك بأن تأخذ الفلسفة المسلّمات السيكولوجية التي يموّنها بها العلم التجريبي، وتدرسها في ضوء القوانين الفلسفية العامة، وعلى هدي تلك القوانين تُعطى للنتائج العلمية مفهومها الفلسفي، ويُوضع للحياة العقلية تفسيرها الأعمق.