الجانب الروحي من الإنسان
ونصل هنا إلى نتيجة خطيرة، وهي: أنّ للإنسان جانبين: أحدهما مادّي يتمثّل في تركيبه العضوي، والآخر روحي لامادّي، وهو مسرح النشاط الفكري والعقلي، فليس الإنسان مجرّد مادّة معقّدة، وإنّما هو مزدوج الشخصية من عنصر مادّي، وآخر لامادّي.
وهذا الازدواج يجعلنا نجابه موقفاً عسيراً في سبيل استكشاف نوعية العلاقة والصلة بين الجانبين المادّي والروحي من الإنسان، ونحن نعلم قبل كلّ شيء: أنّ العلاقة بينهما وثيقة حتّى إنّ أحدهما يؤثّر في الآخر باستمرار: فإذا خُيّل إلى شخص أ نّه يرى شبحاً في الظلام، اعترته قشعريرة، وإذا كتب على شخص أن يخطب في حفل عام، أخذ العرق يتصبّب منه، وإذا بدأ أحدنا يفكّر، حدث نشاط خاصّ في جهازه العصبي، فهذا أثر العقل أو الروح في الجسم، كما أنّ للجسم أثره في العقل، فإذا دبّت الشيخوخة في الجسد، وهن النشاط العقلي، وإذا أفرط شارب الخمر في السكر قد يرى الشيء شيئين.
فكيف يتاح للجسم والعقل أن يؤثّر أحدهما في الآخر إذا كانا مختلفين لا يشتركان في صفة من الصفات؟ فالجسم قطعة من المادّة له خصائصها من ثقل وكتلة وشكل وحجم، وهو يخضع لقوانين الفيزياء. وأمّا العقل- أو الروح- فهو موجود غير مادّي ينتسب إلى عالم وراء عالم المادّة، ومع هذه الهوّة الفاصلة يصعب تفسير التأثير المتبادل بينهما. فقطعة من الحجارة يمكن أن تسحق نبتة في الأرض؛ لأنّهما معاً مادّيان، وقطعتان من الحجر يمكن أن تصطكّا وتتفاعلا. وأمّا أن يحدث الاصطكاك والتفاعل بين موجودين من عالمين فهذا ما يحتاج إلى