مبدأ العلّية و الميكرو فيزياء:
نستطيع على ضوء النتائج التي انتهينا إليها في مبدأ العلّية، أن ندحض تلك الحملات الشديدة التي شُنّت في الميكروفيزياء ضدّ قانون الحتمية، وبالتالي ضدّ مبدأ العلّية بالذات. فقد وجد في الفيزياء الذرّية الاتّجاه القائل: إنّ الضبط الحتمي الذي تؤكّد عليه العلّية وقوانينها، لا يصحّ في مستوى الميكروفيزياء. فقد يكون من الصحيح أنّ الأسباب ذاتها تولّد النتائج نفسها في مستوى الفيزياء المدرسية، أو فيزياء العين المجرّدة، وأنّ تأثير الأسباب الفاعلة في ظروف شخصية واحدة، لا بدّ له من أن ينتهي إلى محصّلة واحدة حتماً، بحيث نستطيع أن نتأكّد من طبيعة النتائج وحتميّتها بسبب دراسة الأسباب والشرائط الطبيعية … ولكن كلّ شيء يبدو على غير هذا اللون إذا حاولنا أن نطبّق مبادئ العلّية على العالم الذرّي.
ولذلك أعلن (هايزنبرغ) العالم الفيزيائي أنّ من المستحيل علينا أن نقيس بصورة دقيقة كمّية الحركة التي يقوم بها جُسيم بسيط، وأن نحدّد- في الوقت عينه- موضعه في الموجة المرتبطة به، بحسب الميكانيكا الموجبة التي نادى بها (لويس دوبروغي). فكلّما كان مقياس موضعه دقيقاً، كان هذا المقياس عاملًا في تعديل كمّية الحركة، ومن ثمّة في تعديل سرعة الجُسيم بصورة لا يمكن التنبّؤ بها.
وكلّما كان مقياس كمّية الحركة دقيقاً، أصبح موضع الجُسيم غير محدّد[1]. فالوقائع الفيزيائية في المجال الذرّي، لا يستطاع قياسها بدون أن يدخل فيها اضطراباً غير قابل للقياس. ومهما تعمّقنا في تدقيق المقاييس العلمية، ابتعدنا أكثر عن الواقع الموضوعي لتلك الوقائع.
[1] هذه هي الديالكتيكية: 132