الإدراك في مستوى الفيزيولوجيا:
في ضوء التجارب الفيزيولوجية استكشفت عدّة أحداث وعمليات تقع في أعضاء الحسّ، وفي الجهاز العصبي بما فيه الدماغ، وهي وإن كانت ذات طبيعة فيزيائية كيميائية، كالعمليات السابقة، ولكنّها في نفس الوقت تمتاز على تلك العمليات بكونها أحداثاً تجري في جسم حيّ، فهي ذات صلة بطبيعة الأجسام الحيّة.
وقد استطاعت الفيزيولوجيا بكشوفها تلك أن تحدّد الوظائف الحيوية للجهاز العصبي، وما لأجزائه المختلفة من خطوط في عمليات الإدراك. فالمخّ- مثلًا- ينقسم بموجبها إلى أربعة فصوص، هي: الفصّ الجبهي، والفصّ الجداري، والفصّ الصدغي، والفصّ المؤخّري، ولكلّ فصّ وظائفه الفيزيولوجية.
فالمراكز الحركية تقع في الفصّ الجبهي، والمراكز الحسّية التي تتلقّى الرسائل من الجسم تقع في الفصّ الجداري. وكذلك حواسّ اللمس والضغط. أمّا مراكز الذوق، والشمّ، والسمع الخاصّة، فتقوم في الفصّ الصدغي، في حين تقوم المراكز البصرية في الفصّ المؤخّري، إلى غير ذلك من التفاصيل.
ويستعمل عادة للتوصّل إلى الحقائق الفيزيولوجية في الجهاز العصبي أحدُ المنهجين الرئيسيين في الفيزيولوجيا: الاستئصال، والتنبيه. ففي المنهج الأوّل تستأصل أجزاء مختلفة من الجهاز العصبي، ثمّ تُدرس تغييرات السلوك الناجمة عن ذلك. وفي المنهج الثاني تُنبّه مراكز محدودة في لحاء المخّ بوسائل كهربائية، ثمّ تسجّل التغيّرات الحسّية أو الحركية التي تنجم عن ذلك.
ومن الواضح جدّاً: أنّ الفيزياء والكيمياء والفيزيولوجيا لا تستطيع بوسائلها العلمية، وأساليبها التجريبية إلّاأن تكشف عن أحداث الجهاز العصبي،