المادّة والحركة
المادّة في حركة مستمرّة وتطوّر دائم، وهذه حقيقة متّفق عليها بيننا جميعاً، والحركة تحتاج إلى سبب محرّك لها، وهذه حقيقة اخرى مسلّمة بلا جدال.
والمسألة الأساسية في فلسفة الحركة هي: أنّ المادّة المتحرّكة هل يمكن أن تكون هي علّة للحركة وسبباً لها؟ وفي صيغة اخرى: أنّ المتحرّك موضوع الحركة، والمحرّك سبب الحركة، فهل يمكن أن يكون الشيء الواحد من الناحية الواحدة موضوعاً للحركة وسبباً لها في وقت واحد؟
والفلسفة الميتافيزيقية تجيب على ذلك مؤكّدة أنّ من الضروري تعدّد المتحرّك والمحرّك؛ لأنّ الحركة تطوّر وتكامل تدريجي للشيء الناقص، ولا يمكن للشيء الناقص أن يطوّر نفسه ويكمّل وجوده تدريجياً بصورة ذاتية؛ فإنّ الناقص لا يكون سبباً في الكمال. وعلى هذا الأساس وُضِعَت في المفهوم الفلسفي للحركة قاعدة الثنائية بين المحرّك والمتحرّك، وفي ضوء هذه القاعدة نستطيع أن نعرف أنّ سبب الحركة التطوّرية للمادّة في صميمها وجوهرها ليس هو المادّة ذاتها، بل مبدأ وراء المادّة، يمدّها بالتطوّر الدائم، ويفيض عليها الحركة الصاعدة والتكامل المتدرّج.
وعلى العكس من ذلك المادية الديالكتيكية؛ فإنّها لا تعترف بالثنائية بين المادّة المتحرّكة وسبب الحركة، بل تعتبر المادّة نفسها سبباً لحركتها وتطوّرها.
فللحركة- إذن- تفسيران:
أمّا التفسير الديالكتيكي الذي يعتبر المادّة نفسها سبباً للحركة، فالمادّة فيه هي الرصيد الأعمق للتطوّر المتكامل. وقد فرض هذا على الديالكتيك القول بأنّ المادّة منطوية ذاتياً على الأطوار والكمالات التي تحقّقها الحركة في سيرها