الجزء والفيزياء والكيمياء:
فمسألة الجزء الذي لا يتجزّأ ليست مسألة علمية، وإنّما هي فلسفية خالصة.
وبذلك نعرف أنّ الطرق أو الحقائق العلمية التي اتّخذت للإجابة عن هذه المسألة، والتدليل على وجود الجزء الذي لا يتجزّأ، أو على نفيه، ليست صحيحة مطلقاً، ونشير إلى شيء منها:
أ- قانون النسب الذي وضعه (والتن) في الكيمياء لإيضاح أنّ الاتّحاد الكيمياوي بين العناصر يجري طبقاً لنسب معيّنة، وركّزه على أساس أنّ المادّة تتأ لّف من دقائق صغيرة لا تقبل التجزئة.
ومن الواضح: أنّ هذا القانون إنّما يعمل في مجاله الخاص كقانون كيميائي، ولا يمكن أن تحلّ به مشكلة فلسفية؛ لأنّ قصارى ما يوضّحه هو: أنّ التفاعلات والتركيبات الكيمياوية لا يمكن أن تتمّ إلّابين مقادير معيّنة من العناصر في ظروف وشروط خاصّة. وإذا لم تحصل المقادير والنسب المعيّنة، فلا يوجد تفاعل وتركيب. ولكنّه لا يوضّح ما إذا كانت تلك المقادير قابلة للانقسام بحدّ ذاتها أو لا؟ فيجب علينا- إذن- أن نفرّق بين الناحية الكيميائية من القانون، والناحية الفلسفية. فهو من الناحية الكيميائية يثبت أنّ خاصّية التفاعل الكيمياوي توجد في مقادير معيّنة، ولا يمكن أن تتحقّق في أقلّ من تلك المقادير، وأمّا من الناحية الفلسفية، فلا يثبت أنّ تلك المقادير هل هي أجزاء لا تتجزّأ أو لا؟
ولا صلة لذلك بالجانب الكيميائي من القانون مطلقاً.
ب- المرحلة الاولى من الفيزياء الذرّية التي حصل فيها اكتشاف الذرّة، فقد بدا آنذاك لبعض: أنّ الفيزياء في هذه المرحلة قد وضعت حدّاً فاصلًا للنزاع في مسألة الجزء الذي لا يتجزّأ؛ لأنّها كشفت عن هذا الجزء بالأساليب العلمية.