فتبرهن على أ نّها مركّبة من صورة ومادّة أبسط. فنحن لا نتصوّر وحدة مادّية من دون اتّصال؛ لأنّها لو لم تكن متّصلة اتّصالًا حقيقياً، لكانت محتوية على فراغ تتخلّله أجزاء، كالجسم. فمعنى الوحدة هي أن تكون متّصلة، فلا تكون وحدة حقيقية بلا اتّصال، ولكنّها في نفس الوقت قابلة للتجزئة والانفصال أيضاً.
ومن الواضح: أنّ ما يقبل التجزئة والانفصال ليس هو نفس الاتّصالية المقوّمة للوحدة المادّية؛ لأنّ الاتّصال لا يمكن أن يتّصف بالانفصال، كما أنّ السيولة لم يكن من الممكن أن تتّصف بالغازية. فيجب أن تكون للوحدة مادّة بسيطة، وهي التي تقبل التجزئة والانفصال. ويؤدّي ذلك إلى اعتبارها مركّبة من مادّة، وصورة. فالمادّة هي القابلة للتجزئة والانفصال الهادم للوحدة، كما أ نّها هي القابلة للاتّصال أيضاً، الذي يحقّق الوحدة، وأمّا الصورة فهي نفس هذه الاتّصالية التي لا يمكن أن نتصوّر وحدة مادّية من دونها.
ولكن المسألة التي تواجهنا في هذه المرحلة هي: أنّ الفلسفة كيف يمكنها معرفة أنّ الوحدات الأساسية في المادّة قابلة للتجزئة والانفصال؟ وهل يوجد سبيل إلى ذلك إلّابالتجربة العلمية؟ والتجربة العلمية لم تثبت قابلية الوحدات الأساسية في المادّة للتجزئة والانقسام.
ومرّة اخرى نؤكّد على ضرورة عدم الخلط بين المادّة العلمية والمادّة الفلسفية؛ ذلك أنّ الفلسفة لا تدّعي أنّ تجزئة الوحدة أمر ميسور بالأجهزة والوسائل العلمية التي يملكها الإنسان؛ فإنّ هذه الدعوى من حقّ العلم وحده، وإنّما تبرهن على أنّ كلّ وحدة فهي قابلة للانقسام والتجزئة، وإن لم يمكن تحقيق الانقسام خارجاً بالوسائل العلمية، ولا يمكن أن يتصوّر وحدة من دون قابلية الانقسام، أي: لا يمكن أن يتصوّر جزء لا يتجزّأ.