مبدأ العلّية. فمبدأ العلّية هو الأساس الأوّل لجميع العلوم والنظريات التجريبية[1].
وبتلخيص: أنّ النظريات التجريبية لا تكتسب صفة علمية ما لم تعمّم لمجالات أوسع من حدود التجربة الخاصّة، وتقدّم كحقيقة عامّة. ولا يمكن تقديمها كذلك إلّاعلى ضوء مبدأ العلّية وقوانينها، فلا بدّ للعلوم عامّة أن تعتبر مبدأ العلّية وما إليها من قانوني الحتمية والتناسب، مسلّمات أساسية، وتسلم بها بصورة سابقة على جميع نظريّاتها وقوانينها التجريبية.
[3-] العلّية والاستدلال:
مبدأ العلّية هو الركيزة التي تتوقّف عليها جميع محاولات الاستدلال في كلّ مجالات التفكير الإنساني؛ لأنّ الاستدلال بدليل على شيء من الأشياء يعني: أنّ الدليل إذا كان صحيحاً، فهو سبب للعلم بالشيء المستدلّ عليه. فحين نبرهن على حقيقة من الحقائق بتجربة علمية، أو بقانون فلسفي، أو بإحساس بسيط، إنّما نحاول بذلك أن يكون البرهان علّة للعلم بتلك الحقيقة. فلولا مبدأ العلّية والحتمية، لما اتيح لنا ذلك؛ لأنّنا إذا طرحنا قوانين العلّية من الحساب، ولم نؤمن بضرورة وجود أسباب معيّنة لكلّ حادث، لم تبقَ صلة بعد ذلك بين الدليل الذي نستند إليه، والحقيقة التي نحاول اكتسابها بسببه، بل يصبح من الجائز أن يكون الدليل
[1] ولكنّه رحمه الله جدّد النظر حول مشكلة التعميمات الاستقرائيّة في كتابه« الاسس المنطقيّة للاستقراء» وأثبت عجز المذهب العقلي للمعرفة- بما فيه من مبدأ العلّيّة وقوانينها- عن حلّ تلك المشكلة، كما أنّ المذهب التجريبي للمعرفة عاجز عن ذلك أيضاً، وانتهى إلى أنّ الحلّ الوحيد لمشكلة التعميمات الاستقرائيّة يتمّ في ضوء المذهب الذاتي للمعرفة، من دون حاجة إلى الإيمان المسبق بمبدأ العلّيّة وقوانينها.( لجنة التحقيق)