صحيحاً ولا ينتج النتيجة المطلوبة ما دامت قد انفصمت علاقة العلّية بين الأدلّة والنتائج، بين الأسباب والآثار.
وهكذا يتّضح: أنّ كلّ محاولة للاستدلال تتوقّف على الإيمان بمبدأ العلّية، وإلّا كانت عبثاً غير مثمر[1]. وحتّى الاستدلال على ردّ مبدأ العلّية الذي يحاوله
[1] حاصل الكلام: أنّ من يحاول الاستدلال على قضيّة من القضايا لا بدّ له أن يكون على قناعة مسبقة بأ نّه لو تمّ له الدليل لحصل له العلم بالنتيجة، وإلّا لما أقحم نفسه في متاعب الاستدلال، وهذه القناعة إنّما تحصل على أساس الإيمان بسببيّة العلم بالدليل للعلم بالنتيجة، كي يتسنّى له الانتقال من العلم بالدليل إلى العلم بالنتيجة. ولمّا كانت هذه السببيّة مشتملةً على كبرى وصغرى كان عليه أن يؤمن مسبقاً بكبرى سببيّة كلّ علمٍ بالدليل للعلم بالنتيجة، ثمّ يستلهم الصغرى من خلال الاستدلال في كلّ قضيّةٍ من القضايا. وهذا واضح في ضوء المذهب العقلي للمعرفة الذي يرى أنّ الطريقة الوحيدة لنموّ المعارف البشريّة عبارة عن طريقة التوالد الموضوعي التي تكون النتيجة فيها مستبطنةً في المقدّمات، كما هو كذلك في الأدلّة التي يكون السير الفكري فيها من العامّ إلى الخاصّ.
وأمّا في ضوء المذهب الذاتي للمعرفة الذي يؤمن بوجود طريقة اخرى لنموّ المعارف البشريّة، وهي طريقة التوالد الذاتي التي تعني نشوء معرفة جديدة من معارف اخرى قبليّة من دون ضرورة كون النتيجة مستبطنةً في المقدّمات، كما هو كذلك- حسب رأي هذا المذهب- في الأدلّة الاستقرائيّة التي يكون السير الفكري فيها من الخاصّ إلى العامّ، فليس من الضروري أن نؤمن مسبقاً بكبرى سببيّة العلم بالدليل للعلم بالنتيجة، إذ يمكن التوصّل- في رأي هذا المذهب- إلى عموم سببيّة العلم بالدليل للعلم بالنتيجة من خلال استقراء عددٍ من الأدلّة الخاصّة التي نشعر فيها وجداناً بالعلم بالنتيجة، فبدلًا عن الإيمان المسبق بعموم سببيّة العلم بالدليل للعلم بالنتيجة، ثمّ الانتقال منه إلى الأدلّة الخاصّة بوصفها مصاديق وصغريات لذلك العامّ، يمكن- في ضوء المذهب الذاتي للمعرفة- أن نعكس الأمر، فنعمد إلى استقراء عدد من المصاديق الخاصّة للدليل التي نشعر فيها وجداناً بالعلم بالنتيجة لننتقل منها إلى الإيمان بعموم سببيّة العلم بالدليل للعلم بالنتيجة. وهذا يعني عدم الحاجة إلى الإيمان المسبق بهذه الكبرى في مجال الاستدلال.( لجنة التحقيق)