ومعنى ذلك: أ نّه لا يمكن فصل الشيء الملاحظ في الميكروفيزياء عن الأداة العلمية التي يستعملها العالم لدرسه، كما لا يمكن فصله عن الملاحظ نفسه؛ إذ أنّ ملاحظين مختلفين يعملون بأداة واحدة على موضع واحد، سوف يصلون إلى مقاييس مختلفة. ومن هنا نشأت فكرة اللاحتمية التي تناقض بصفة مطلقة مبدأ العلّية، والقواعد الأساسية التي سارت عليها الفيزياء قبل ذلك. وجرت محاولات لاستبدال العلّية الحتمية بما يُسمّى (علاقات الارتياب)، أو (قوانين الاحتمال) التي نادى بها (هايزنبرغ)، مصرّاً على أنّ العلوم الطبيعية- كالعلوم الإنسانية- لا تستطيع أن تتنبّأ تنبّؤاً يقييناً حينما تنظر إلى العنصر البسيط، بل أنّ كلّ ما تستطيعه هو أن تصوغ احتمالًا من الاحتمالات.
والواقع: أنّ جميع هذه الشكوك والارتيابات العلمية التي أثارها العلماء في الميكروفيزياء، ترتكز على فهم خاصّ لمبدأ العلّية وقوانينها، لا يتّفق مع فهمنا وتحليلنا الفلسفي له. فنحن لا نريد أن نناقش هؤلاء العلماء في تجاربهم، أو ندعوهم إلى التغاضي عن مستكشفاتها والتخلّي عنها، ولا نرمي إلى التقليل من شأنها وخطرها، وإنّما نختلف عنهم في مفهومنا العام عن مبدأ العلّية، وعلى أساس هذا الاختلاف، تصبح كلّ المحاولات السابقة لدحض مبدأ العلّية وقوانينها، غير ذات معنى.
ومفصّل الحديث حول ذلك: أنّ (مبدأ العلّية) لو كان مبدأً علمياً قائماً على أساس التجارب والمشاهدات في حقل الفيزياء الاعتيادية، لكان رهن التجربة في ثبوته وعمومه، فإذا لم نظفر له بتطبيقات واضحة في ميادين الفيزياء الذرّية، ولم نستطع أن نستكشف لها نظاماً حتمياً قائماً على مبدأ العلّية وقوانينها، كان من حقّنا أن نشكّ في قيمة المبدأ بالذات، ومدى صحّته أو عمومه. غير أ نّا أوضحنا فيما سبق: أنّ تطبيق مبدأ العلّية على المجالات الاعتيادية للفيزياء، والاعتقاد