بالعلّية كنظام عام للكون فيها، لم يكن بدليل تجريبي بحت، وأنّ مبدأ العلّية مبدأ ضروري فوق التجربة، وإلّا لم يستقم علم طبيعي على الإطلاق. وإذا تبيّنا هذا، ووضعنا مبدأ العلّية في موضعه الطبيعي من تسلسل الفكر الإنساني، فسوف لا يزعزع به عدم تمكّننا من تطبيقه تجريبياً في بعض ميادين الطبيعة، والعجز عن استكشاف النظام الحتمي الكامل فيها بالأساليب العلمية؛ فإنّ كلّ ما جمعه العلماء من ملاحظات على ضوء تجاربهم الميكرو فيزيائية، لا يعني أنّ الدليل العلمي قد برهن على خطأ مبدأ العلّية وقوانينها في هذا المجال الدقيق من مجالات الطبيعة المتنوّعة.
ومن الواضح: أنّ عدم توفّر الإمكانيات العلمية والتجريبية لا يمسّ مبدأ العلّية في كثير أو قليل ما دام مبدأً ضرورياً فوق التجربة. ويوجد- عندئذٍ- لفشل التجارب العلمية في محاولة الظفر بأسرار النظام الحتمي للذرّة تفسيران:
الأوّل- نقصان الوسائل العلمية، وعدم توفّر الأدوات التجريبية التي تتيح للعالم الاطّلاع على جميع الشروط والظروف المادّية. فقد يعمل العالم بأداة واحدة على موضوع واحد عدّة مرّات، فيصل إلى نتائج مختلفة، لا لأنّ الموضوع الذي عمل عليه متحرّر من كلّ نظام حتمي، بل لأنّ الوسائل التجريبية الميسورة لم تكن كاملة إلى حدّ تكشف له عن الشروط المادّية الدقيقة التي اختلفت النتائج بسبب اختلافها. ومن الطبيعي: أن تكون وسائل التجربة في المجالات الذرّية ووقائعها، أبعد عن الكمال من الوسائل التجريبية التي تتّخذ في مجالات فيزيائية اخرى أقلّ خفاء وأكثر وضوحاً.
الثاني- تأثّر الموضوع- نظراً إلى دقّته وضآلته- بالمقاييس والأدوات العلمية تأثّراً دقيقاً لا يقبل القياس والدرس العلمي. فقد تبلغ الوسائل العلمية الذروة في الدقّة والكمال والعمق، ولكن العالم- مع ذلك- يواجه المشكلة نفسها؛