العامّة ومصلحة المجموع؛ فإنّ غريزة حبّ الجماعة تكون ضامنة- حينئذٍ- للسعي وراء مصالحها وتحقيق متطلّباتها بطريقة ميكانيكية واسلوب آلي.
والسبيل الآخر الذي يمكن للعالَم سلوكه لدرء الخطر عن حاضر الإنسانية ومستقبلها هو: ان يطوّر المفهوم المادّي للإنسان عن الحياة، وبتطويره تتطوّر طبيعياً أهدافها ومقاييسها، وتتحقّق المعجزة- حينئذٍ- من أيسر طريق.
والسبيل الأوّل هو الذي يحلم أقطاب الشيوعيين بتحقيقه للإنسانية في مستقبلها، ويَعِدون العالم بأ نّهم سوف ينشؤونها إنشاءً جديداً، يجعلها تتحرّك ميكانيكياً إلى خدمة الجماعة ومصالحها. ولأجل أن يتمّ هذا العمل الجبّار يجب أن نوكل قيادة العالم إليهم، كما يُوكل أمر المريض إلى الجرّاح، ويُفوَّض إليه تطبيبه وقطع الأجزاء الفاسدة منه، وتعديل المعوّج منها. ولا يعلم أحدٌ كم تطول هذه العملية الجراحية التي تجعل الإنسانية تحت مبضع جرّاح. وإنّ استسلام الإنسانية لذلك لهو أكبر دليل على مدى الظلم الذي قاسته في النظام الديمقراطي الرأسمالي، الذي خدعها بالحرّيات المزعومة، وسلب منها أخيراً كرامتها، وامتصّ دماءها؛ ليقدّمها شراباً سائغاً للفئة المدلّلة التي يمثّلها الحاكمون.
والفكرة في هذا الرأي القائل بمعالجة المشكلة عن طريق تطوير الإنسانية وإنشائها من جديد ترتكز على مفهوم الماركسية عن حبّ الذات؛ فإنّ الماركسية تعتقد أنّ حبّ الذات ليس ميلًا طبيعياً وظاهرة غريزية في كيان الإنسان، وإنّما هو نتيجة للوضع الاجتماعي القائم على أساس الملكية الفردية؛ فإنّ الحالة الاجتماعية للملكية الخاصّة هي التي تكوّن المحتوى الروحي والداخلي للإنسان، وتخلق في الفرد حبّه لمصالحه الخاصّة ومنافعه الفردية. فإذا حدثت ثورة في الاسس التي يقوم عليها الكيان الاجتماعي، وحلّت الملكية الجماعية والاشتراكية محلّ الملكية الخاصّة، فسوف تنعكس الثورة في كلّ أرجاء المجتمع