فلو لم يكن لحركة اليد سبق واقعي وسببية موضوعية لحركة القلم لما أمكن اعتبارها علّة.
وخامساً: أنّ التداعي كثيراً ما يحصل بين شيئين دون الاعتقاد بعلّية أحدهما للآخر، فلو صحّ ل (دافيد هيوم) أن يفسّر العلّة والمعلول بأ نّهما حادثان ندرك تعاقبهما كثيراً حتّى تحصل بينهما رابطة تداعي المعاني في الذهن لكان الليل والنهار من هذا القبيل، فكما أنّ الحرارة والغليان حادثان تعاقبا حتّى نشأت بينهما رابطة التداعي كذلك الليل والنهار وتعاقبهما وتداعيهما، مع أنّ عنصر العلّية والضرورة الذي ندركه بين الحرارة والغليان ليس موجوداً بين الليل والنهار، فليس الليل علّة للنهار، ولا النهار علّة لليل، فلا يمكن- إذن- تفسير هذا العنصر بمجرّد التعاقب المتكرّر والمؤدّي إلى تداعي المعاني كما حاوله (هيوم).
ونخلص من ذلك إلى أنّ المذهب التجريبي يؤدّي حتماً إلى إسقاط مبدأ العلّية، والعجز عن إثبات علاقات ضرورية بين الأشياء، وإذا سقط مبدأ العلّية انهارت جميع العلوم الطبيعية؛ باعتبار ارتكازها عليه كما ستعرف.
إنّ العلوم الطبيعية التي يريد التجريبيون إقامتها على أساس التجربة الخالصة، هي بنفسها تحتاج إلى اصول عقلية أوّلية سابقة على التجارب؛ ذلك أنّ التجربة إنّما يقوم العالم بها في مختبره على جزئيات موضوعية محدودة، فيضع نظرية لتفسير الظواهر التي كشفتها التجربة في المختبر وتعليلها بسبب واحد مشترك، كالنظرية القائلة: بأنّ سبب الحرارة هو الحركة استناداً إلى عدّة تجارب فُسِّرت بذلك، ومن حقّنا على العالم الطبيعي أن نسأله عن كيفية إعطائه للنظرية بصفة قانون كلّي ينطبق على جميع الظروف المماثلة لظروف التجربة، مع أنّ التجربة لم تقع إلّاعلى عدّة أشياء خاصّة، أفليس هذا التعميم يستند إلى قاعدة،