الذي يباع فيه؟
فإن كانت علاقة ضرورية فقد ثبت مبدأ العلّية، واعترف ضمناً بقيام علاقة غير تجريبية بين فكرتين، وهي: علاقة الضرورة، فإنّ الضرورة سواءٌ أكانت بين فكرتين أم بين واقعين موضوعيّين لا يمكن إثباتها بالتجربة الحسّية.
وإن كانت العلاقة مجرّد مقارنة فلم يتحقّق ل (دافيد) ما أراد من تفسير عنصر الضرورة في قانون العلّة والمعلول.
وثالثاً: أنّ الضرورة التي ندركها في علاقة العلّية بين علّة ومعلول، ليس فيها- مطلقاً- أيُّ أثر لإلزام العقل باستدعاء إحدى الفكرتين عند حصول الفكرة الاخرى فيه، ولذا لا تختلف هذه الضرورة- التي ندركها بين العلّة والمعلول- بين ما إذا كانت لدينا فكرة معيّنة عن الصلة وما إذا لم تكن، فليست الضرورة في مبدأ العلّية ضرورة سيكولوجية، بل هي ضرورة موضوعية.
ورابعاً: أنّ العلّة والمعلول قد يكونان مقترنين تماماً ومع ذلك ندرك علّية أحدهما للآخر، كحركة اليد وحركة القلم حال الكتابة؛ فإنّ حركة اليد وحركة القلم توجدان دائماً في وقت واحد، فلو كان مردّ الضرورة والعلّية إلى استتباع إحدى العمليّتين العقليّتين للُاخرى بالتداعي لما أمكن في هذا المثال أن تحتلّ حركة اليد مركز العلّة دون حركة القلم؛ لأنّ العقل قد أدرك الحركتين في وقت واحد، فلماذا وضع إحداهما موضع العلّة والاخرى موضع المعلول؟!
وبكلمة اخرى: أنّ تفسير العلّية بضرورة سيكولوجية يعني: أنّ العلّة إنّما اعتبرت علّة لا لأنّها في الواقع الموضوعي سابقة على المعلول ومولّدة له، بل لأنّ إدراكها يتعقّبه دائماً إدراك المعلول بتداعي المعاني، فتكون لذلك علّة له، وهذا التفسير لا يمكنه أن يشرح لنا كيف صارت حركة اليد علّة لحركة القلم مع أنّ حركة القلم لا تجيء عقب حركة اليد في الإدراك، وإنّما تدرك الحركتان معاً،