وقد اعترف بعض التجريبيين ك (دافيد هيوم) و (جون ستيوارت ميل) بهذه الحقيقة، ولذلك فَسَّر (هيوم[1]) عنصر الضرورة في قانون العلّة والمعلول بأ نّه راجع إلى طبيعة العملية العقلية التي تستخدم في الوصول إلى هذا القانون قائلًا: إنّ إحدى عمليات العقل إذا كانت تستدعي دائماً عملية اخرى تتبعها بدون تخلّف فإنّه ينمو بين العمليّتين بمضيّ الزمن رابطة قوية دائمة هي التي نسمّيها رابطة تداعي المعاني، ويصحب هذا التداعي نوع من الإلزام العقلي بحيث يحصل في الذهن المعنى المتّصل بإحدى العمليتين العقليتين كما حدث المعنى المتّصل بالعملية الاخرى، وهذا الإلزام العقلي أساس ما نسمّيه بالضرورة التي ندركها في الرابطة بين العلّة والمعلول.
وليس من شكّ في أنّ هذا التفسير للضرورة القائمة بين العلّة والمعلول ليس صحيحاً؛ لما يأتي:
أوّلًا: أ نّه يلزم على هذا التفسير أن لا نصل إلى قانون العلّيّة العامّ إلّابعد سلسلة من الحوادث والتجارب المتكرّرة التي تحكم الرباط بين فكرتي العلّة والمعلول في الذهن، مع أ نّه ليس من الضروري ذلك؛ فإنّ العالم الطبيعي يستطيع أن يستنتج علاقة علّية وضرورة بين شيئين يقعان في حادثة واحدة، ولا يزداد يقينه شيئاً عمّا كان عليه عند مشاهدته الحادثة للمرّة الاولى، كما لا تزداد علاقة العلّية قوّة بتكرار حوادث اخرى يوجد فيها المعلول والعلّة نفسها.
وثانياً: لندع الظاهرتين المتعاقبتين في الخارج، ولنلاحظ فكرتيهما في الذهن- أي: فكرة العلّة وفكرة المعلول- فهل العلاقة القائمة بينهما علاقة ضرورية أو علاقة مقارنة كما يقترن تصوّرنا للحديد بتصوّرنا للسوق
[1] راجع قصّة الفلسفة الحديثة 1: 155- 158