نتائج العلوم الطبيعية ظنّية في أكثر الأحايين؛ لأجل نقص في نفس التجربة، وعدم استكمال الشرائط التي تجعل منها تجربة حاسمة.
ويتّضح لنا على ضوء ما سبق: أنّ استنتاج نتيجة علمية من التجربة يتوقّف- دائماً- على الاستدلال القياسي، الذي يسير فيه الذهن البشري من العامّ إلى الخاصّ ومن الكلّي إلى الجزئي كما يرى المذهب العقلي تماماً، فإنّ العالم تمّ له استنتاج النتيجة في المثال الذي ذكرناه بالسير من المبادئ الأوّلية الثلاثة التي عرضنا: (مبدأ العلّية) (مبدأ الانسجام) (مبدأ عدم التناقض)، إلى تلك النتيجة الخاصّة على طريقة القياس[1].
وأمّا الاعتراض الذي يوجِّهه التجريبيون إلى الطريقة القياسية في الاستدلال: بأنّ النتيجة فيها ليست إلّاصدى للكبرى وتكريراً لها، فهو اعتراض ساقط على اصول المذهب العقلي؛ لأنّ الكبرى لو كنّا نريد إثباتها بالتجربة ولم يكن لنا مقياس غيرها لكان علينا أن نفحص جميع الأقسام والأنواع لنتأكّد من صحّة الحكم، وتكون النتيجة- حينئذٍ- قد درست في الكبرى بذاتها أيضاً، وأمّا إذا كانت الكبرى من المعارف العقلية التي ندركها بلا حاجة إلى التجربة:
كالأوّليات البديهية والنظريات العقلية المستنبطة منها، فلا يحتاج المستدلّ لإثبات الكبرى إلى فحص الجزئيات حتّى يلزم من ذلك أن تتّخذ النتيجة صفة
[1] أشرنا سابقاً إلى أنّ المؤلّف قدس سره انتهى في كتابه« الاسس المنطقيّة للاستقراء» إلى إمكان معالجة مشكلة التعميم في القضايا الاستقرائيّة في ضوء ما تبنّاه من المذهب الذاتي للمعرفة، بنحو يبقى معه السير الفكري في تلك القضايا من الخاصّ إلى العامّ، من دون حاجة إلى ضمّ الكبريات العقليّة المسبقة التي تجعل السير الفكري فيها من العامّ إلى الخاصّ على طريقة الاستدلال القياسي.( لجنة التحقيق)