الإدراكات والمعلومات التي نستذكرها فنثيرها من جديد بعد أن كانت كامنة وموجودة بالقوّة.
والنظرية العقلية على ضوء هذا التفسير لا يمكن أن تردّ بالبرهان الفلسفي أو الدليل العلمي السابق ذكرهما.
3- النظرية الحسّية:
وهي النظرية القائلة: إنّ الإحساس هو المموِّن الوحيد للذهن البشري بالتصوّرات والمعاني، والقوّة الذهنية هي القوّة العاكسة للإحساسات المختلفة في الذهن. فنحن حين نحسّ بالشيء نستطيع أن نتصوّره- أي: أن نأخذ صورة عنه في ذهننا- وأمّا المعانى التي لا يمتدّ إليها الحسّ فلا يمكن للنفس ابتداعها وابتكارها ذاتياً وبصورة مستقلّة.
وليس للذهن بناءً على هذه النظرية إلّاالتصرّف في صور المعاني المحسوسة، وذلك بالتركيب والتجزئة: بأن يركّب بين تلك الصور أو يجزّئ الواحدة منها، فيتصوّر جبلًا من ذهب أو يجزّئ الشجرة التي أدركها إلى قطع وأجزاء. أو بالتجريد والتعميم: بأن يفرز خصائص الصورة ويجرّدها عن صفاتها الخاصّة؛ ليصوغ منها معنىً كلّياً، كما إذا تصوّر زيداً وأسقط من الحساب كلّ ما يمتاز به عن عمرو؛ فإنّ الذهن بعملية الطرح هذه يستبقي معنىً مجرّداً يصدق على زيد وعمرو معاً.
ولعلّ المبشّر الأوّل بهذه النظرية الحسّية هو (جون لوك) الفيلسوف الانكليزي الكبير الذي بزغ في عصر فلسفي زاخر بمفاهيم (ديكارت) عن الأفكار الفطرية، فبدأ في تفنيد تلك المفاهيم، ووضع لأجل ذلك دراسة مفصّلة للمعرفة الإنسانية في كتابه (مقالة في التفكير الإنساني)، وحاول في هذا الكتاب