إذا استطعنا أن نفسِّر التصوّرات الذهنية تفسيراً متماسكاً من دون حاجة إلى افتراض أفكار فطرية.
ولأجل ذلك يمكننا تفنيد النظرية العقلية عن طريقين:
أحدهما: تحليل الإدراك تحليلًا يرجعه برمّته إلى الحسّ، وييسّر فهم كيفية تولّد التصوّرات كافّة عنه. فإنّ مثل هذا التحليل يجعل نظرية الأفكار الفطرية بلا مبرّر مطلقاً؛ لأنّها كانت ترتكز على فصل بعض المعاني عن مجال الحسّ فصلًا نهائياً، فإذا أمكن تعميم الحسّ لشتّى ميادين التصوّر لم تبقَ ضرورة للتصوّرات الفطرية. وهذا الطريق هو الذي اتّخذه (جون لوك) للردّ على (ديكارت) ونحوه من العقليين، وسار عليه رجال المبدأ الحسّي مثل (باركلي) و (دافيد هيوم) بعد ذلك.
والطريق الآخر: هو الاسلوب الفلسفي للردّ على التصوّرات الفطرية، ويرتكز على قاعدة: أنّ الآثار الكثيرة لا يمكن أن تصدر عن البسيط باعتباره بسيطاً، والنفس بسيطة فلا يمكن أن تكون سبباً بصورة فطرية لعدّة من التصوّرات والأفكار، بل يجب أن يكون وجود هذا العدد الضخم من الإدراكات لدى النفس بسبب عوامل خارجية كثيرة، وهي آلات الحسّ وما يطرأ عليها من مختلف الأحاسيس[1].
[1] وبكلمة أكثر تفصيلًا: أنّ كثرة الآثار تكشف عن أحد امور: إمّا كثرة الفاعل، وإمّا كثرة القابل، وإمّا الترتّب المنطقي بين الآثار ذواتها، وإمّا كثرة الشرائط. وفي مسألتنا لا شكّ في أنّ التصوّرات التي نبحث عن منشأها كثيرة ومتنوّعة مع أ نّه لا كثرة في الفاعل والقابل؛ لأنّ الفاعل والقابل للتصوّرات هو النفس، والنفس بسيطة، ولا ترتّب- أيضاً- بين التصوّرات، فلا يبقى إلّاأن نأخذ بالتفسير الأخير وهو: أن تستند التصوّرات الكثيرة إلى شرائط خارجية، وهي: الإحساسات المختلفة المتنوّعة.( المؤلّف قدس سره)